قبل ان تعد!

TT

كان الفيلسوف الفرنسي «سارتر» يقول ان الانسان هو ما يفعل لا ما يقول.. او الانسان فعل لا قول.. وهذا صحيح.. فما اسهل الكلام والوعود وما اسهل التفكير فيها.

ولكن لماذا نقول ما لا نفعل؟! هناك اكثر من اجابة على هذا السؤال.. منها التنشئة.. او التربية.. فقد اعتاد الآباء مثلا تكرار الوعود لابنائهم بشراء اشياء معينة، او قضاء وقت اطول معهم او اصطحابهم في نزهة او رحلة، ثم لا ينفذ الاب ما يقول، ويعتاد الطفل على ان يسمع، ويعتاد على عدم التنفيذ، فاذا كبر كان ضحية ابيه، فهو يشبهه ويقلده ويفعل مثله، الولد سر ابيه كما يقولون.

وقد يكون الحماس هو السبب، فنحن نندفع في لحظات معينة ونعد بأشياء لا نستطيع تنفيذها، كمساعدة محتاج او الوقوف بجانب مظلوم، او التبرع بالمال، او الوقوف بجانب صديق في محنته، الى آخره.. هذا الحماس او الاندفاع يتم بدون تفكير عما اذا كان ما وعدنا به ممكنا ام لا.. فاذا ما هدأت فورة الحماس وجدنا انفسنا متورطين في وعود لن ننفذها.

مثل آخر، عندما يتم اجتماع لنصرة قضية مثل قضية «فلسطين» فان المجتمعين جميعا يتوعدون ويعدون ويتحمسون حتى لتظن انهم سيخرجون الى ميدان القتال.. فاذا ما انفض الاجتماع وعاد كل الى عمله او بيته، فان شيئا مما قاله او قالوه ينسى فورا.. او بعد حين! وتقول الدكتورة «كاترين بنسيد» استاذة التحليل النفسي ان اكثرنا يكون مخلصا في وعده في اللحظة التي يعد فيها، ولكن هذا الاخلاص يتبدد عندما يجد الشخص ان مصالحه تتعارض مع ما وعد به، او ان ما وعد به اكبر من قدرته.

وتقول «بنسيد» ان هؤلاء الذين يعدون عادة ما يكونون من ذوي الخيال الجامح، وهم في حياتهم الخاصة يحلمون كثيرا ولكنهم لا يحققون احلامهم.

والمثل العربي العتيد الذي درسناه في المدارس يلخص هذا كله في جملة واحدة مفيدة «لا تعد بما لا تقدر عليه»، وحتى الوعود التي يعدها الانسان كالإقلاع عن التدخين مثلا ينطبق عليها هذا المثل العتيد المفيد.