سيدة ثالثة من بنغلادش

TT

التقيت الى مائدة سفير لبنان لدى بريطانيا الاستاذ جهاد مرتضى الامينة العامة لمنظمة العفو الدولية السيدة ايرين خان ومعها المديرة الاقليمية للمنظمة في الشرق الاوسط. وتعمل السيدة خان في الامم المتحدة والهيئات الدولية منذ ربع قرن، وامضت جزءاً كبيراً منه في الهيئة العليا لغوث اللاجئين في جنيف. ويقع الرقم 40 في مكان ما من حياة هذه السيدة المرتدية ثوباً اسود محافظاً. فهي إما في الاربعينات من العمر وإما ان وزنها لا يزيد على اربعين كيلوغراماً. طبعاً على ابعد تقدير، هنا او هناك.

انها اول سيدة مسلمة تحتل هذا المنصب. وهي عائدة من لبنان حيث تُعِد المنظمة لمؤتمر عن ضحايا التعذيب خلال الاحتلال الاسرائيلي للجنوب. وقد كان دوري على الغداء ان اصغي الى ضيفة السفير مرتضى لا ان اناقشها. وقد كان من الصعب مناقشتها في اي حال فهذه السيدة الاقل وزناً من فاتن حمامة بعشرة كيلوغرامات وأقتين، تختزن مولّداً من المعلومات والقضايا. وقد سألتها كيف يمكن للمنظمة ان تتأكد من صحة المعلومات التي ترسل اليها، فقالت انها تحاول التأكد من الحكومات نفسها حول ما يرد اليها من ادعاءات، وانها تحاول ألا تذيع اي شيء الا بعد عملية تحقق دقيقة وصعبة.

وقلت للسيدة خان كيف يمكن لك ان تتزعمي إلغاء عقوبة الاعدام، في حين ان رئيس بلدك ومؤسسه (الشيخ مجيب الرحمن) قتل هو وعائلته واولاده، وان قاتليه معروفون ومدانون: واجابت انها مع المبدأ، والمبدأ لا يقسَّم ولا يجزأ، فهي لا تستطيع ان تكون ضد العقوبة القصوى في العالم وأن تؤيدها في بلادها. وسألتها عن موقفها من الحرب في افغانستان، فقالت ان المنظمة ضد الحروب. ايضاً من حيث المبدأ، وقلت لها ما الذي يوصل سيدة من بنغلادش الى هذا المنصب الدولي، فقالت ان رئيسة الوزراء في بنغلادش امرأة وزعيمة المعارضة امرأة. وقلت هل يعني هذا ان المرأة الآسيوية متقدمة على سواها، خصوصاً في اوروبا، فقالت لا. لقد ورثت المرأة الآسيوية الرجل في كل مكان: باندرانايكه في سري لانكا، انديرا غاندي في الهند، بنازير بوتو في باكستان، ابنة سوكارنو في اندونيسيا. انه ارث الرجال السياسي وزعاماتهم، لكن المرأة تحاول الآن ان تثبت قدميها بصورة مستقلة عن ذلك الارث.

بعد الغداء خرجت السيدتان ووقفنا نودع السفير مرتضى. وكان قد بقي لديها سؤال واحد: «ما هي اقرب محطة مترو يعيدها الى المكتب؟». واتجهت السيدتان الى اقرب محطة بينما اتجهت الى «الهايد بارك»، الحديقة الغلَّب، وأحد اجمل فسحات المشي في العالم، سواء في خضرة البسط الشتائية او في الوان الربيع الذي اصبح على المداخل. وقد ذكرتني السيدة الرقم 40، وهي تسأل عن محطة المترو عن عشاء اقيم للصحافيين في السفارة اللبنانية قبل سنوات. وبعد انتهاء العشاء خرج بيتر سنو، كبير مذيعي الاحداث ومحلليها في القناة الثانية الى .... دراجته، التي ربطها الى الباب الحديد بقفل. خوف الضياع، بينما خرج الباقون الى مواكب «الشبح» و«ام عيون».