الأوسكار المحتار

TT

لا تحتار، فلست ممن سيختارون الأوسكار، فقد بدأ العد العكسي لهذه الجائزة الاميركية والحيرة على وجوه معظم المهتمين بالفن السينمائي ليس لغياب التأثير الاميركي، وحصر المنافسة بين البريطانيين والاوستراليين هذا العام ولكن لاختلاف المستويات وغياب الايقاع الذي يسهل على المصوتين الاختيار، بعد ان تحدد القواسم المشتركة.

وقد جرت العادة على ان يكون هناك فيلم كبير يضبط الايقاع، ويحصد معظم الجوائز، أما هذا العام ورغم وجود ترشيحات كثيرة لفيلم «سيد الخاتم» فإن الآراء تتناقض حوله، فهو ضائع الهوية بين الكبار والصغار، ومعظم المتحمسين له يعترفون بأن مشكلته مثل مشكلة فيلم «هاري بوتر» فالكتاب الشهير يطلع عليه عدد كبير من الناس وحين يصبح فيلما يصر معظمهم على ان الفيلم لم يرتفع الى مستوى الكتابة.

والى ان تخلص هذه من تلك وتقنع من عنده خلفية محدودة عن الانتاج السينمائي بأن الكاميرا والكومبيوتر مهما فعلا لا يستطيعان التحليق كالخيال البشري تكون الاصوات قد تشتت والمصوتون غيروا الكثير من آرائهم لكثرة ما يسمعون وما يقرأون عن الأفلام المرشحة.

وإذا تجاوزت «سيد الخاتم» وتركته عائما بين مخيلة الصغار، والكبار وحاولت الاقتراب من فيلم «الطاحونة الحمراء» وهو للكبار حصراً، فسوف تلاحظ ان هذا الفيلم الاستعراضي لا يشكو من شيء إلا من ظروف انتاجه في عام، الأمزجة فيه غير ميالة لاستعادة الروائع ولا للاستعراض، وقد لعبت نيكول كيدمان بطولة هذا الفيلم في عام طلاقها من توم كروز، فأثبتت انها معجونة بالفن، وان الحياة الشخصية للفنان مهما كانت تعيسة، فإنها لا تؤثر على ادائه، بل تزيد من تألقه لأن شحنة التعاسة الشخصية تولد الكثير من التحدي، وهذا ما فعلته نيكول كيدمان، وما فعله طليقها ايضا الذي يدخل ساحة الترشيحات بفيلم «فانيلا سكاي» المأخوذ عن فيلم سابق لحبيبته الجديدة بينلوبي كروز بطلة «قيثارة الكولونيل كوريللي».

وبما ان شائعات الحب تربط بين نيكول كيدمان وبين مواطنها الممثل الاوسترالي راسل كرو، فلابد ان نلاحظ انه ايضا من أقوى المرشحين للاوسكار هذا العام عن فيلم «عقل جميل» الذي يلعب فيه دورا يختلف تمام الاختلاف عن الدور الذي حمله للأوسكار العام الماضي، ففي أوسكار العام الماضي كان راسل كرو يصارع بالعضلات في فيلم «المصارع» أما هذا العام فهو يصارع بالعقل من خلال دور جميل ومؤثر لعبقري ينسى بشريته وغرائزه، الى ان تهاجمه على حين غرة امرأة فاتنة تدعوه لعشاء يغير مناخه كلياً وينقله من عالم الأرقام الى عالم الحس المصفـى.

وفي حين يبدو الطريق ممهدا أمام راسل كرو ما لم تظهر مفاجآت اللحظة الأخيرة، فإن نيكول كيدمان تتعرض لمنافسة شرسة من جودي دنيش التي قامت بدور الكاتبة الايرلندية ايريس مردوخ في فيلم «ايريس» وهو من الافلام التي تعجب المزاج الاميركي، وربما كان الذين يصوتون للاوسكار يحملون عقدة مزمنة تجاه جودي دنيش التي حرموها قبل أعوام أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «مسز براون» الذي لعبت فيه شخصية الملكة فيكتوريا باقتدار عجيب.

وفي الفيلم الحالي (ايريس) لا يمكن انكار تألق جودي دنيش في دور ايريس مردوخ حينما شاخت وطعنها مرض الزهايمر في أعز ما تملك.. «عقلها» أما ايريس الشابة فقامت بدورها ملظلظة الشاشة العالمية كيت وينسليت المرشحة لأوسكار افضل ممثلة مساعدة عن ذات الفيلم، وكان من العدل ان ترشح لجائزة افضل ممثلة عن دورها في فيلم «انيغما» الذي ظهرت فيه بحجمها الحقيقي وزيادة وزنها الطبيعية حين راكمت الكثير من الشحوم بعد مرحلة «تايتانيك» لكن ذلك لم يمنعها من التألق في ذلك الفيلم، ولو كان الشحم يمنع من التجويد على الشاشة لتوقفت ملظلظة شاشتنا العربية ليلى علوي عن التمثيل منذ عشر سنوات.

ويبقى من الترشيحات غير المفهومة لهذا العام ترشيح فيلم «كوسفورد بارك» لعدة جوائز، بينها جائزة أفضل ممثلة مساعدة لماغي سميث التي تلعب في ذلك الفيلم دورا يذكر المشاهد على الفور بدور انتوني هوبكنز في فيلم «بقايا اليوم»، فدورها في هذا الفيلم المغرق في بريطانيته، مدبرة منزل لأحد الاقطاعيين في الريف الانجليزي، وهي تتفانى في مهمتها الى حد نسيان نفسها لكنها لا تنسى ثأرها من صاحب القصر الذي تعمل فيه ولذلك قصة معقدة ليس هذا أوان سردها.

ومهما كانت النتائج، فأوسكار هذا العام باهت وقلق وحماية حفل توزيع الجوائز ستكلف أمنيا ما يكفي لانتاج عدة أفلام، لكن هذا لن يمنع هوليوود من دفع التكاليف، فهي البرج الثالث للكرامة الاميركية، وتأجيل الحفل أو إلغاؤه مسألة غير قابلة للتفكير عند أمة أثخنت العام الماضي بالجراح وتريد ان تثبت للجميع قدرتها على تجاوز المحنة.