محطة على الطريق

TT

قبل ان يجف حبر ما كتبناه عن حيرة الاوسكار جاءت جوائز «بافتا» التي تقدمها اكاديمية الفنون «البريطانية»، وهذه مثل «جلوب» صارت من مؤشرات الاوسكار بفعل فاعل، فقد كانت سابقا توزع بعده واحيانا في توقيته الى ان جاء احد الاذكياء المتواضعين، وقال لماذا نخسر البريق في منافسة جائزة تصعب منافستها؟ وهكذا تقدم موعدها لتصبح محطة فرعية على طريق جوائز الاوسكار الأميركية بعد ان كانت محطة رئيسية لحساب السينما البريطانية، وفنونها.

والحقيقة انه يصعب فصل السينما البريطانية عن السينما الاميركية كصعوبة فصل سياسة الدولتين، وكانت تكفي نظرة واحدة الى صالة توزيع جوائز «بافتا» في «ليستر سكوير» مساء الاحد الماضي لتشاهد وارن بيتي وداستن هوفمان وكيفن جيسي وروبرت التمان، وغيرهم من كبار نجوم السينما الاميركية الذين جعلوا من لندن مربط خيلهم كمتلقين للجوائز، وكمسلمين لها ايضا.

وكانت أجمل اميركية تتسلم جائزة مساء الاحد الماضي هي جنيفر كونللي التي حصلت على جائزة افضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم «عقل جميل» وهو الفيلم ذاته الذي اهدى راسل كرو جائزة افضل ممثل ليعوض بذلك الخيبة الاسترالية التي بدت على وجه نيكول كيدمان التي حضرت نصف عارية من الملابس، وخرجت عارية تماما من الجوائز الشخصية بينما حصل فيلمها الاول «الطاحونة الحمراء» على بعض الجوائز، وظل فيلمها الثاني «الآخرون» مثلها ينتظر حظه في اميركا الشهر المقبل، حيث الامتحان الكبير الذي ينتظره الاولون، والآخرون.

والجحيم هو الآخرون كما قال سارتر ذات مرة، لكنهم احيانا يكونون الجنة وذلك حسب قربهم او بعدهم من القلوب، واقرب النجمات الى القلب في حفل توزيع جوائز «بافتا» كانت كيت وينسليت التي لم يحالفها الحظ في الحصول على جائزة افضل ممثلة مساعدة، فخسرت بروح رياضية، وفرحت فرحة حقيقية وهي تقدم جائزة افضل مخرج للرجل الذي اخرج «سيد الخاتم» وكان وفيلمه سيدي الامسية وهذه حالة قابلة للتكرار في الاوسكار، فجميع الترشيحات تضع هذا الفيلم في القمة فهو جماهيري وقريب الى قلوب النقاد في الوقت نفسه.

ولو بحثت عن خيبة الأمل مجسدة في تلك الامسية لوجدتها على وجه روبرت التمان مخرج فيلم «كوسفورد بارك» الذي كاد يخرج من مولد «بافتا» دون شيء لولا بعض التقنيات التي نافسه عليها فيلم «الغول».

وكما كان متوقعا ظلت كيدمان في مقعدها تغلي، وتتظاهر بعدم الاكتراث، وذهبت جائزة افضل ممثلة لجودي دينش عن فيلم «ايريس» وهو في الحقيقة مع فيلم اميلي من أجمل افلام الموسم. وجودي صاحبة حظ كبير هذا العام في الاوسكار الذي اخطأها عدة اعوام لأسباب مفهومة، فحين تكون «البلدوزر» الدرامي «هيلين هنت» على قائمة المرشحات تصبح حظوظ جميع الممثلات هباء.

وقد كان «ستيفن فراي» خفيف الظل كعادته، وهو يقدم حفل «بافتا»، ولأن الكوميديا عنده تقوم على المبالغة طلب ان يقرصه احد كي يصدق انه يقف مع داستن هوفمان على خشبة واحدة، فجاءته «القرصة» من داستن نفسه الذي اختار منطقة حساسة قرصها بعناية ثم خطب باناقة تحسده عليها النوارس خطبة قصيرة عن معاناة الممثل، وهو جانب خفي لا يريد ان يعرفه المشاهد العادي الذي يرى النجوم اثناء غرقهم بالاضواء، ولا يعرف تفاصيل الجهود المبذولة في الظلمة قبل ان يصل الفيلم الى الشاشات ليقدم نفسه في ساعتين لقاء قروش معدودات.

وقد شارك الفيلم الفرنسي «اميلي سيد الخاتم» في حصد جوائز «بافتا» وهو اهل لها ويستحق ما هو اكثر منها، فذلك الفيلم البسيط الذي يحكي عن مراهقة هدفها اسعاد من حولها من ابسط ما انتجت السينما هذا العام، فالبساطة جزء من عبقرية الفن، ولا يستطيعها إلا من كان لماحا وشغوفا، ومعجونا بحب ذلك الفن الذي يسمونه سابعا، ويكاد يكون اولا رغم عراقة المسرح ووهج التلفزيون.