على هامش حادث القطار

TT

قرار الرئيس مبارك باقالة ـ أو قبول استقالة ـ وزير النقل الدكتور ابراهيم الدميري، أتى ليصحح خطأ انزلق فيه المسؤولون المصريون بحكم العادة حين سارعوا بالتأكيد على ان العيب كل العيب في المواطنين، وان الخطأ لا يتحمله سوى اولئك المتسيبين غير المقدرين لأقدار الشعب الذين لا يلتزمون بالقواعد الحكيمة التي أرستها الحكومة وكل الحكومات التي سبقتها للحفاظ على سلامة وأمن المواطنين، ويتجاوزون ـ أي اولئك المواطنين غير الملتزمين ولا المقدرين ـ هذه القواعد الى حد تمزيق مقاعد القطارات وتحطيم النوافذ فيكلفون الدولة 15 مليون جنيه سنويا، ويذكرونهم ـ الدولة تذكر المواطنين- بأنهم يدعمون تذاكر القطار بـ450 مليون جنيه سنويا. ويتجاوز المواطنون أيضا فيتحدون كل اجراءات الأمانة والسلامة التي تحرص الحكومة ـ كما كل الحكومات السابقة- على توفيرها ويحملون معهم مواقد الغاز ليعدوا بها مشروبات تعينهم على مشقة السفر.

كان الهم الأول لكل المسؤولين بدءا من المسؤول الصغير في الوحدة المحلية للقرية التي شهدت حريق القطار -من بين عدة قرى- وحتى الكبار من المسؤولين الذين هم مسؤولون عن كل قرى مصر ومدنها ومحافظاتها، كان الهم الأول هو التأكيد على انهم تواجدوا وبسرعة في مكان الحادث، وبدأ الجميع يتبارون في استعراض عدد عربات الاسعاف وعربات المطافىء، والاهتمام اللامحدود من العاملين في الحكومة ـ كما كل الحكومات السابقة ـ بسلامة المواطنين، ولكن هذا لم ينف أبدا، وعلى لسان الجميع تحميل المواطنين المهملين المسؤولية الكاملة عما وقع، كما هو الحال في كل الحوادث السابقة، وذلك باهمالهم وتجاوزهم، ولسان حالهم ينتقد المواطن الذي لايعرف كيف يحكم من حكومة رشيدة ككل الحكومات السابقة.

قد يكون من بين ما ذكره المسؤولون أمور كثيرة صحيحة، وقد يكون الاهمال الذي يتشارك فيه المواطن والحكومة ـ أيضا ككل الحكومات السابقة ـ في تحمل أسبابه، قد يكون هذا الاهمال حقيقيا وواقعا، وسببا في وقوع الحادث، وقد يكون التزاحم بسبب أيام العيد، سببا آخر، ولكن كل هذه الاسباب وكل هذا التجاوز من المواطنين غير المؤهلين، وغير المقدرين، وكل هذه الجهود الملحوظة من الحكومة ـ كما كل الحكومات السابقة ـ وحضور المسؤولين المشكور الى موقع هذا الحادث، كل هذه الأمور مجتمعة لم تكن كافية ليتجاوز أي مسؤول الحس السياسي فيتجاوز مشاعر الحزن والألم لوقوع الحادث، ويتعامل البعض منهم بقدر من التعالي ليوجه أصابع الاتهام الى الموتى المحترقين، ويصرح البعض بأنه أمر بوضع مرايا عاكسة في مقدمة القطارات للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.

عندما خرج الرئيس المصري مبارك ببيانه يوم العيد والذي سبقه بتصريحات في اليوم السابق أكد فيها محاسبة المسؤولين عن الحادث وأنه لن يسمح بأية محاولة لإخفاء الحقيقة، ويؤكد قيمة المواطن الذي هو عصب الأمة، هذه التصريحات جاءت لتصحح الخطأ السياسي الفادح الذي وقع فيه بعض المسؤولين الذين لم يكن همهم سوى دفع تهمة الاهمال عنهم وتعليق الجرس في رقبة المواطن، وأتت استقالة وزير المواصلات لترسخ مبدأ سياسيا وديمقراطيا مهما، فالمسؤول لا تقف حدود مسؤوليته عند حدود الفعل أو الحدث المباشر ومدى مسؤوليته الشخصية ولكن هناك المسؤولية السياسية والتي تعني تبعات كل ما هو تابع له.

انحياز الرئيس المصري مبارك الى المواطنين وتعاطفه مع مشاعرهم هو تأكيد على انه لا فصل بين المسؤولية السياسية والمسؤولية الانسانية، وهذا ما أكده مبارك في كلمته الى الشعب في هذه المناسبة الأليمة بقوله «ليس لدينا أهم من الحفاظ على أرواح المواطنين وسلامتهم في أي بقعة كانوا من أرض الكنانة».