المسلمون والهندوس.. وشيء من الحكمة

TT

ان مشكلة هدم مسجد بابري في ايوديا بالهند في عام 1992 والتي تقف وراء احداث العنف والحرق والقتل الحالية بين المسلمين والهندوس، هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في الصراع بين الطرفين. فقبل خمسة وعشرين عاماً تقريباً ظهرت مقالة في مجلة امريكية بالعنوان التالي: «قتل حتى تعود الأبقار الى معابدها» ولقد لفت عنوان هذا المقال أنظار الكثيرين من القراء الأمريكيين نظراً لغرابته. ويتعلق المقال بأحداث صدامات دامية بين المسلمين والهندوس في احدى القرى الهندية والتي استمرت ثلاثة أيام وأدت الى وقوع مئات القتلى والجرحى بسبب اهانة بعض المسلمين ـ كما قال الهندوس ـ لعدد من الأبقار المقدسة التي خرجت من المعبد الهندوسي لترعى في حقول القرية. ولقد أدت احداث هدم مسجد بابري على يد المتطرفين الهندوس قبل عشر سنوات الى اعادة ادخال الهند في حلقة الصراع الطائفي الدموي بين المسلمين والهندوس، ففي أعقاب الاستقلال عن بريطانيا في أواخر الأربعينات الميلادية حاول غاندي تأسيس دولة واحدة في شبه القارة الهندية تجمع المسلمين والهندوس ولكن الانقسام الديني بين الفئتين أدى الى نشوب مصادمات دموية عنيفة بينهما لم تنته إلا بعد الاتفاق على تقسيم شبه القارة الهندية الى دولة الهند التي تضم اغلبية كبيرة من الهندوس ودولة باكستان التي تضم اغلبية ساحقة من المسلمين. ولقد انفصلت بنغلاديش بعد ذلك عن باكستان وشكلت دولتها المستقلة الخاصة بها.

وتعود المصادمات بين المسلمين والهندوس الى جذور تاريخية قديمة ارتبطت بدخول الاسلام الى شبه القارة الهندية. فلقد سيطر المسلمون على معظم اجزاء المنطقة ودخل الهندوس في الاسلام افواجاً افواجاً حتى شكلوا أقلية مسلمة كبيرة ضمت حوالي ثلث سكان شبه القارة الهندية قبيل استقلال المنطقة عن بريطانيا. ولا شك في ان اعتناق ملايين الهندوس للاسلام اثناء فترة حكم المسلمين لشبه القارة الهندية قد ترك شعوراً بالمرارة وخيبة الأمل لدى كثيرين من الهندوس بسبب التحدي الكبير الذي واجههم من الاسلام. وعلى الرغم من الجهود التبشيرية الكبيرة التي قامت بها الكنيسة الأوروبية مدعومة من الاستعمار البريطاني إلا انها لم تحقق نجاحاً كبيراً في نشر المسيحية في الهند حيث بقي المسيحيون في الهند أقلية صغيرة جداً مقارنة بالمسلمين. وكذلك الأمر بالنسبة للطائفة السيخية التي انشقت عن الهندوسية وشكلت ديانة خاصة جمعت بها بين بعض الأسس الهندوسية والتعاليم الجديدة التي أخذت بعضها من الاسلام، فهذه الطائفة ما زالت محدودة جداً في الهند وذلك بالرغم من اعتقاد مؤسسيها بأن اعداداً كبيرة من الهندوس سوف يؤمنون بها عوضاً عن اعتناقهم للاسلام. وينبغي التوضيح بأن الأقلية السيخية وعلى الرغم من قلة اتباعها مقارنة بالهندوسية والاسلام في الهند إلا ان تاريخها مليء بالصراع الدموي مع كلا الطائفتين وخاصة مع الأغلبية الهندوسية. ومن ذلك مثلاً قيام متطرف سيخي باغتيال زعيم الهند الكبير غاندي.

ان صورة الانقسامات الطائفية في الهند تتضمن الكثير من المصادمات الدموية وخاصة بين المسلمين والهندوس بوصفهما اكبر طائفتين دينيتين في الهند. ولقد أدت مسألة نزاع الهند وباكستان حول كشمير الى زيادة حدة الصدام الاسلامي ـ الهندوسي في شبه القارة الهندية، وتبلور هذا الصدام خلال السنوات العشر الماضية حول مسألتي كشمير وتدمير مسجد بابري الذي يسعى المتطرفون الهندوس الى اعادة بناء معبد خاص بهم مكانه كان المسلمون قد دمروه ـ حسب الرواية الهندية ـ عندما كانوا يسيطرون على الهند في السابق وأقاموا مكانه مسجد بابري المعني بالمصادمات الحالية. ومن المتوقع لهذه المصادمات التي يقودها المتطرفون في كلا الطرفين ان تستمر في المستقبل القريب، وقد تؤدي الى حدوث مجازر بشرية دموية كبيرة، وربما تقود الى اشعال لهيب حرب واسعة بين الهند وباكستان.

وغني عن القول ان مصادمات المسلمين والهندوس في الهند تهم العالمين العربي والاسلامي بشكل خاص، وتقتضي الحكمة من جميع المسلمين في العالم ان يبذلوا المساعي الحميدة للتوسط بين الهند وباكستان وبين المسلمين والهندوس. ففي هذه الفترة الصعبة الحرجة التي يؤكد فيها المسلمون التزامهم بالدعوة لحوار الحضارات لا يمكن للمسلمين ان يتورطوا في صدام مع الهندوس بسبب التطرف الديني لدى بعض الهندوس وبعض المسلمين. ان هجوم بعض المتطرفين المسلمين على البرلمان الهندي في الشهر الماضي هو امتداد لأعمال التطرف المرتبطة بـ«القاعدة» وتجسيد للارهاب الذي تقوم به بعض الجماعات الاسلامية التي ترفع شعار الاسلام والاسلام منها براء. ولقد أدت هذه الحادثة الى تصعيد حدة التوتر والكراهية بين المسلمين والهندوس. وقبل عدة أسابيع زارت السعودية نائبة رئيس مجلس الشيوخ الهندي ورئيسة الاتحاد البرلماني الدولي السيدة نجمت هبة الله. ولقد أتيحت لي فرصة لقاء هذه السيدة المسلمة المتميزة وسمعتها تقول بأنها تسعى بشكل متواصل لتوضيح حقيقة موقف الاسلام من التطرف ورفضه للعنف ورعاية الاسلام للمرأة وضمانته لجميع حقوقها المدنية والسياسية.

ان هناك ملايين الهندوس والمسلمين الذين يدعون الى التعايش السلمي بين الطرفين. ولقد شهدنا مؤخراً انفراجاً مهماً في العلاقة بين الهند وباكستان، ولكن يبدو ان المتطرفين المسلمين والهندوس يحاولون الآن القيام ببعض اعمال العنف التي تهدف الى اشعال لهيب مصادمات واسعة بين الطرفين. ولهذا ينبغي تفويت الفرصة على أي دعوة الى العنف والتطرف والارهاب مهما كان مصدرها.

ولو أراد أي صوت اسلامي من خارج الهند ان يقول شيئاً في المصادمات الحالية بين المسلمين والهندوس فان مصلحة المسلمين في الهند تستدعي الحكمة وتتطلب حثهم على الحوار والتعايش السلمي مع الهندوس وعدم تحميسهم ودفعهم للمزيد من التورط في الصدام والمواجهة.

أما مشكلة مسجد بابري فيمكن التوصل فيها في المستقبل ان شاء الله الى تسوية مرضية لكلا الطرفين. وتبقى مشكلة كشمير التي تُبذل في الوقت الحاضر جهود دولية كبيرة لتسويتها بالطرق السلمية بين الهند وباكستان.