تحرش جنسي وتحرش فكري!!

TT

عرض التلفزيون الياباني مؤخرا تحقيقا مطولا عن ظاهرة التحرش الجنسي الذي تعاني منه النساء في القطارات وقت الذروة في طوكيو، واجرى التلفزيون مقابلات مع عدد من «الفحول» المتحرشين وبعض السيدات المتحرش بهن، وقد عبرت الضحايا عن مر الشكوى حول هذه المضايقات التي تصل في بعض الاحيان الى درجة من السخونة يمنعني وقار هذه الصفحة من ذكر تفاصيلها!! والعجيب انني كنت اتحدث مع بعض المثقفين العرب المقيمين في طوكيو حول هذه الظاهرة، فذكروا انه يوجد في العاصمة اليابانية شوارع مشهورة تعج بالصخب واللهو وعروض الليل الساخنة واندية العري وبائعات الهوى (وحتى بائعيه)، المقصود اني قلت لصاحبي وانا احاوره: اليست ظاهرة تستحق الدراسة؟ ففي الوقت الذي تطلق فيه الحريات وتسير عربتها في الازقة اليابانية بدون كابح، ويصبح الهوى مبذولا كالهواء، حتى ان بعض الاحصائيات اليابانية ذكرت ارقاما مزعجة لعدد من طالبات الثانوية اللائي يمارسن بيع اجسادهن من اجل الحصول على نقود تساعدهن في شراء آخر تقليعات الموضة، فما الذي جعل هذه الفحول المسعورة تزهد في مثل هذه العروض وتحجم عن ارتياد مثل هذا الشوارع الصاخبة الملتهبة بكل المغريات لتطلق فيها غرائزها الهائجة، ثم تلجأ ـ عوضا عن ذلك ـ الى التحرش بنسوة غافلات في قطار مزدحم بكتل بشرية تضع طبقات من الملابس التي (تحول) بينهم وبين ما يشتهون؟ لو كان هذا التحرش الجنسي البذيء في دولة اسلامية محافظة لقال لنا المبشرون بالحريات المطلقة: ارأيتم كيف يفعل التضييق وكتم الانفاس وتقييد الحريات؟

في مقاله عن «الدين والحرية» الذي اتفق معه في عدد من مسائله واختلف معه في بعض مضمونه وتفصيلاته، ذكر الدكتور تركي الحمد حادثة منع الحكومة الاميركية في فترة قديمة من تاريخها تجارة واستهلاك الخمور في اميركا وكانت النتيجة ان نمت صناعة الخمور السرية نموا كبيرا مما اضطر الحكومة الاميركية الى رفع الحظر، وليسمح لي الدكتور تركي ان انقله من الغرب الى الشرق ومن قديم التجربة الاميركية الى جديد التجربة السعودية، فأفترض بناء على نظرية الدكتور الحمد ان السعودية ـ التي (تمنع حرية) تعاطي المسكرات وتعاقب بصرامة بائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة اليه ـ سترتفع فيها نسبة تجارة المسكرات وتعاطيها وترويجها. ومع الاخذ في الاعتبار عدم استحالة شرب الخمرة لمن اراد معاقرتها ومع التسليم بوجود تجارة للمسكرات على رغم الحظر والمنع والعقوبة، الا انني اظن ـ واتمنى ان احصل على ارقام واحصائيات ـ ان السعودية تقل فيها نسبة متعاطي الخمر كثيرا عن مثيلاتها من الدول العربية التي (تمنح حرية) تجارة الخمور واستهلاكها. وهل بعد هذا يقبل العقل والمنطق ان نقول انه لكي تقلص السعودية ـ مثلا ـ من نسبة متعاطي المسكر وتتخلص من مشكلة تصنيعه وتهريبه عليها ان تسمح للباعة في البقالات ان يصفوا زجاجات الفودكا والشمبانيا وبيرة (البدوايزر) جنبا الى جنب وعلى قدم المساواة مع المشروبات الغازية والطبيعية؟! ومن الشرق انتقل بالدكتور الحمد الى الغرب الذي احتج بتجربته، لاشهد معه تجربة هولندية مثيرة!! فهولندا التي تعاني من مشاكل المخدرات تعتبر الدولة الاوروبية الوحيدة التي اقتنعت بنظرية ان منع المخدرات يساعد على انتشارها فسمحت ببيع واستهلاك حشيشة (المروانا) وهي في عرف مختصي المخدرات اخف انواعها، النتيجة ازدهار تجارة المخدرات بين الشباب الهولندي، وصارت هولندا قبلة يؤمها الشباب الاوروبي من كل حدب وصوب. وامست الدول الاوروبية تشتكي من جارتها (المتحررة) هولندا، ونحن في الشرق نشتكي ممن لا يعتبر بالآيات والنذر وتجارب الامم الاخرى.