غارة ثانية على الحريات المدنية

TT

تلقت الحريات المدنية في الولايات المتحدة ثلاث ضربات الاسبوع الماضي. فقد بدأ الاسبوع باعلان وزارة العدل الاميركية انها تعتزم استخدام ادلة سرية، في دعواها ضد مؤسسة خيرية اسلامية جمدت الحكومة أموالها، منذ ديسمبر (كانون الأول) 2001. وفي منتصف الاسبوع اعلن المدعي العام جون اشكروفت، على نحو مفاجئ، انه أصدر أوامره للمسؤولين في هيئات تنفيذ القوانين لاستجواب ثلاثة آلاف آخرين من المهاجرين العرب أو المسلمين الجدد. وانتهى الاسبوع بشن غارات على مكاتب وبيوت افراد لهم صلات مع 14 هيئة اسلامية في الولايات المتحدة. وتولت القيام بالهجمات مجموعة عمل حكومية تتصدرها وزارة الخزانة الاميركية.

وبينما كان كل حدث من هذه الاحداث مصدر قلق وازعاج، فانها تحدد، اذا ما أخذت معا، التحديات الخطرة التي تواجه الحريات المدنية في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.

وقد ظلت الادلة السرية مشكلة منذ أن أقر الكونغرس قانون مكافحة الارهاب عام 1996. غير ان ذلك التشريع اشترط استخدام الأدلة السرية، فقط، في حالات ترحيل غير المواطنين. وقد قاومت منظمات الاميركيين العرب والحريات المدنية هذه الممارسة مجادلة بأن الحق الدستوري للشخص المتهم في الاطلاع على الادلة المستخدمة ضده ينطبق على المواطنين وغير المواطنين على حد سواء.

وبينما احتجزت الحكومة، في فترة التسعينات، 24 شخصاً على أساس الأدلة السرية، افلحت الجهود المشتركة لمنظمات الاميركيين العرب والحريات المدنية في آواخر عهد ادارة كلينتون في اطلاق سراح كل العرب والمسلمين المحتجزين.

وقد انتعشت آمالنا بانهاء هذه الممارسة البغيضة اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2000، حينما تعهد المرشحان، جورج دبليو بوش وآل غور، بإنهاء استخدام الأدلة السرية، وحتى بعد انتخابه أكد الرئيس بوش عزمه بشأن هذه القضية.

ولهذا فإنه من باب الاحباط الكبير ان يرى المرء ان ادارة بوش لم تمارس استخدام الادلة السرية في حالات الترحيل فقط، وانما تستخدم هذه الادلة، الآن، في دعواها ضد مؤسسات خيرية اسلامية في الولايات المتحدة. وكما جادل المحامي، الذي يمثل المؤسسة الخيرية التي نحن بصددها الاسبوع الماضي: «كيف يمكننا ان ندافع عن أنفسنا، ونحن لا نعرف التهم الموجهة الينا، ولا نعرف الأسس التي تستند تلك التهم إليها؟».

وفي اعلانه قرار اصدار الأوامر لاستجواب ثلاثة آلاف آخرين من الشباب العرب أو المسلمين المهاجرين، بدا المدعي العام جون اشكروفت غير مهتم بالآثار التي يمكن ان تتركها هذه الممارسة على الجاليات المعنية. وفي اعلانه أمام ممثلي وسائل الاعلام أكد اشكروفت انه ما دامت الجولة الاولى من عمليات الاستجواب هذه حققت نجاحاً، فقد شجعه ذلك على المضي بهذه الممارسة في الجولة الثانية. وزعم ان المجموعة الاولى من عمليات استجواب خمسة آلاف شخص «أدت الى عدد كبير من الدلائل الهامة في ما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر»، و«خلقت ثقة جديدة بين هيئات تنفيذ القوانين» والجاليات العربية والاسلامية، وساعدت على «تعطيل النشاطات الارهابية المحتملة».

وفي رد فعل على ذلك، أسرع ممثلو الاميركيين العرب في توضيح ان المدعي العام لم يكن على صواب وفق كل الاعتبارات، فحتى تقرير وزارة العدل الخاص، حول الجولة الاولى من عمليات الاستجواب اوضح، على نحو لا لبس فيه، بأنه لم تستخلص معلومات هامة من تلك العمليات. وأكدت تعليقات زعماء الجاليات العربية والاسلامية ان عمليات الاستجواب، التي طبل وزمّر لها كثيراً، خلقت توتراً بين الجاليات وهيئات تنفيذ القوانين. ويبدو ان الادعاء الثالث للمدعي العام، وهو الاكثر خطورة، يشير الى انه بسبب عمليات الاستجواب جرى ردع الارهابيين، وبالتالي ألقى غطاء الاثم على جميع من جرى استجوابهم.

ومن ناحية أخرى جرى تحدي أحكام المدعي العام، ايضا، من جانب مسؤولي هيئات تنفيذ القوانين الفيدراليين والمحليين. فقد كان هؤلاء المسؤولون غير راضين بالكامل عن الجولة الأولى والجولة الثانية المعلنة من عمليات الاستجواب، لأنهم رأوا تلك الجهود وسيلة غير كفوءة وغير فعالة لادارة التحقيقات، ولأنهم يشعرون بالقلق بشأن التوتر الذي خلقته عمليات الاستجواب للعلاقة بين هيئات تنفيذ القوانين والجاليات العربية والاسلامية.

وقد تركت الغارات، التي شنها موظفو وزارة الخزانة على مكاتب وأماكن اقامة أشخاص على صلة بـ 14 من الهيئات الاسلامية الاميركية معظمها في ولاية فرجينيا الشمالية، ابناء تلك الجالية في شعور بالصدمة. فقد كانت الغارات مفاجئة ومثيرة للذهول. وقد نفذت بقوة كبيرة وغير مبررة. ويعتبر كثير من الافراد الذين تعرضوا الى هذه الغارات أعضاء بارزين في الجاليات المحلية. وأخيراً لم يقدم أي تبرير لأولئك الذين تعرضوا للغارات طالما انها استندت الى «أدلة سرية».

ومن المهم ملاحظة انه لم يغلق أي من المكاتب التي تعرضت للغارات، ولم يعتقل أي شخص، ولم توجه تهمة لأحد بارتكاب جناية، كما لم يغلق أو يجمد أي حساب.

وقد خلق كل هذا قلقا أكبر فقد جرت الاغارة على البيوت من قبل افراد مسلحين، وجرى تقييد أيادي الساكنين اثناء العمليات، وأخذ المغيرون صناديق تحتوي على مواد، كما اتلفوا بعض الممتلكات، ولكن بما ان الشهادات التي استخدمت لتبرير هذه الاغارات هي «سرية ومغلقة»، فإن الضحايا لا يعرفون سبب انتهاك حرمة بيوتهم، وما الذي انتزع منها، وما الذي كان يسعى المغيرون الى العثور عليه.

هذه التحديات الجديدة التي جاءت كلها في غضون اسبوع واحد قرعت ناقوس الخطر أمام جالياتنا. ونحن عازمون على المقاومة والتغلب على المصاعب. لقد تمكنا من مواجهة كل من هذه التضحيات وتنظيم وتغطيات صحافية هامة، واكسبنا المواجهة حلفاء يقفون الى جانبنا. ولا نشك في ان هذا سيكون صراعا طويل الأمد، ولكننا عازمون على مواصلته حتى النهاية. فليست حقوقنا فقط هي التي تتعرض الى خطر، وانما ايضا سلامة الدستور الاميركي بالذات. وهذه معركة لا يمكن ان نخسرها نحن وكل الاميركيين.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.