حسن نصر الله وعاشوراء القمة في بيروت

TT

قبل يومين من بدء وصول القادة العرب الى عاصمة بلاده الذين يهمون بركوب طائراتهم مترددين اساسا في الحضور الى القمة العربية لاسباب سياسية والى بيروت نفسها لاسباب امنية، ألقى زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله خطابا حماسيا جدا لم يخرج عن دائرة مواقفه وخطبه الرافضة لاي صيغة من صيغ السلام مع اسرائيل، فهذا هو نصر الله في زمن الحرب وفي زمن السلم.

كان حماسيا حادا لاذاعا كعادته استهدف القمة والمؤتمرين في خطبته مفتتحا القمة وهو يقف على منبر بعيد عن فندق فينيسيا الذي يستضيفها.

وخطاب قائد التحرير اللبناني لم يأت من فراغ فهو صاحب التجربة التحريرية الوحيدة التي اجبرت الاسرائيليين على الخروج بالقوة، عندما خرجوا من الشريط اللبناني المحتل بعد نحو عشرين عاما من الاحتلال، ولا بد ان نقر ونقول انه ورفاقه في حزب الله بانتصارهم بدلوا فكر الفلسطينيين في التعامل مع اسرائيل بالتخلي عن المظاهرات والحجارة وتبني المواجهة المسلحة. رغم ان كل هذه المسوغات التاريخية والسياسية قد تجيز لنصر الله ان يرفض اكثر من غيره، الا أن رسالته الجماهيرية الحماسية لم تأت ببديل، كانت نسخة عن القوميين والاسلاميين الذين اعتمدوا دائما خطاب الرفض من الفنادق. ولهم اسبابهم حيث شعرنا خلال الاسابيع القليلة الماضية بتوتر بعض الفرق، فهناك قلق عند الذين يرونها مؤامرة على النظام العراقي. وتوتر عند اصحاب المشروع الاسلامي الذين يخافون من اي حل يجهض طموحاتهم في الصعيد والخرطوم وعمان والضنية وغيرها. وتوجس عند الذين يرون حديث «محور الشر» حديث شر يراد به ايران ايضا. وبالطبع هناك قلق عند الفريق الراغب في تحرير الارض بالكفاح المسلح.

الشيخ حسن نصر الله في خطابه الحماسي قال كلاما كثيرا وجذابا كرمز عربي وقائد محلي لا على الساحة وداخل حزب الله. كثير مما قاله لا يختلف عليه احد في موضوع الحقوق العربية ورفض التنازلات المجانية. وكثير آخر مما قاله فيه حماس وعليه خلاف. فهو عندما عبر عن قلقه من ان يكون السلام المطروح هدفه ليس سلام فلسطين بل حرب العراق، وربما يعني بذلك مبادرة الامير عبد الله او جولات تشيني وزيني، لا ادري بالضبط. وهذا كلام يصلح ان يصدر عن القوميين وبعث العراق وبعض اصحاب المصالح التجارية في بغداد الذين قلوبهم على النظام اكثر مما هي على العراق شعبا ومستقبلا. المفارقة عجيبة هنا، فالشيخ نصر الله، كونه من زعماء الشيعة في لبنان، ينتظر ان يكون اكثر تعاطفا مع شيعة العراق الذين عانوا اكثر من اي شيعة آخرين في العالم قتلا وتعذيبا واقصاء من قبل نظام بغداد وينتظر منه إن لم يرحب برفع معاناتهم الا يساند استمرارها. لو كان حديث السلام كما صوره هدفه المبطن تغيير نظام بغداد فان على نصر الله ان يرحب به قبل غيره لا ان يحرض ضده. نصر الله يخطب بهذا القول في نفس النهار الذي يبكي فيه شيعة العراق تاريخ مقتل الحسين وبقاء صدام.

لكن الشيخ نصر الله بكى على شيء آخر، على الايام الخوالي التي كانت فيها القمم تختتم ببيانات الرفض الشهيرة، وهذا قول حيرنا جميعا لانه هو سابقا كان يسخر منها لأنها «كانت حكي». ونعى الشيخ ايضا لاءات الخرطوم في حين العرب بكوا من لاءات الخرطوم لا عليها، ويكفي ان نطالع عمرها الذي سبق عمر شباب نصر الله نفسه ولم تعط الساكنين تحت الاحتلال واللاجئين سوى الوعود الفارغة.

ان الشيخ نصر الله رجل شجاع لا شك في ذلك ودفع ثمن مواجهة المحتل الاسرائيلي اكثر من اي زعيم ديماغوجي، لكنه لجأ هذه المرة الى الحديث الشعبي، الى التحريض الجماهيري، الى الرفض دون اعطاء فرصة للفلسطينيين انفسهم ان يقولوا ما يريدون. ولو افترضنا جدلا ان الاسرائيليين قبلوا بالانسحاب الكامل واقامة دولة فلسطينية فهل نطالبهم بالرفض والتضحية باطفالهم؟ هل نطالبهم بالاستمرار في البقاء في منافيهم ومعظم الانظمة العربية تعاملهم كالجرب تنبذهم في مخيمات موصدة؟ نعم لنحث الفلسطينيين ان يهبوا ويقاتلوا اذا رفض الاسرائيليون سلاما يحقن الدماء، ليكن حديثنا مشروطا لا ندعو فيه الى القتال فقط من اجل القتال.