الطريق إلى الضمير الإنساني

TT

يبدو تكرار الحديث مع الادارة الاميركية في ما يتعلق بالاعتداءات الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بات مجرد نفخ في قربة مقطوعة ومع ذلك لا مناص من المسعى السياسي.

ما العمل اذن، حيال جرائم اسرائيلية متواصلة منذ نصف قرن، مدعومة وبلا حدود من الادارات الاميركية المتعاقبة؟

لقد قيل الكثير حول ما يجب ان تتخذه الحكومات العربية من مواقف عملية على مستوى فردي وجماعي ايضا. وقيل الكثير ايضا حول ما ينبغي على الشعوب العربية ان تقوم به. والعرب شعوبا وحكومات يحتاجون اليوم أكثر من اي وقت مضى الى العمل بصورة مشتركة ومتكاملة لتفعيل العمل الشعبي بما يكفل استعادة الحقوق العربية والحفاظ على الكرامة. ان يكون الجميع واضحا في مسعاه بما يضمن استعادة الحد الادنى من الحقوق العربية التي نصت عليها المبادرة العربية في اعلان قمة بيروت 2002.

لقد تبدت السياسة الصهيونية، على امتداد نصف قرن، واضحة في لمسات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية وتوجهاتها في الشرق الاوسط وقامت على اساس من المصالح المتبادلة. وكلاهما، السياسة الخارجية الاميركية وحكومات اسرائيل، وجهان لمشروع واحد هو الهيمنة والنفوذ الكاسح المؤسس على السلاح والمال والاعلام في كل انحاء المعمورة. في رأس اولويات هذه السياسة يقع الخداع الاعلامي القائم على تغييب الوقائع والحقائق والمعلومات وتغليب المصلحة المالية ووضعها مطلقا فوق اي اعتبار. وهناك فرق هائل بين السياسة الخارجية للحكومة الاميركية والمزاج الشعبي العام لكنه المضلل اعلاميا. في مواجهة ذلك، لماذا لا نقوم بحملة اعلامية عربية اسلامية وعالمية موسعة عبر شبكات الانترنت والفاكس والصحافة الاجنبية واسعة الانتشار، تستند الى جملة من الحقائق التي ينبغي بثها بصورة متواصلة؟

وتشمل هذه الحقائق التوضيح بان فكرة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين 1917 (وعد بلفور) طبقت بقوة السلاح تحت وطأة تأنيب الضمير الاوروبي تجاه ما لاقاه اليهود من اضطهاد في اوروبا، وما ادى اليه ذلك من قتل للفلسطينيين في ارضهم وتهجير الملايين منهم مسلمين ومسيحيين الى خارج بلادهم (4 ملايين لاجئ) وتخريب بيوتهم وسرقة اراضيهم على مدى نحو قرن من الزمان. والتأكيد على احتلال اسرائيل لأراض عربية اخرى في لبنان وسوريا، مع تبيان عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا منذ تأسيس دولة اسرائيل وقبله ايضا، والخسائر المادية الناجمة عن الاحتلال الاسرائيلي.

اما على الصعيد الاميركي فيبدو ضروريا الاشارة الى دعم الحكومات الاميركية للمسعى الصهيوني بالمال والسلاح على الدوام وعلى حق العرب في الدفاع عن انفسهم وتحرير اراضيهم. والتفريق بين الارهاب ومقاومة احتلال الارض العربية في فلسطين ولبنان وسوريا. والتفريق بين السياسة الخارجية الظالمة لواشنطن وبين الشعب الاميركي، وبين حكومة اسرائيل وبين اليهود المقيمين في العالم، خارج فلسطين، والراغبين في السلام والذين لا يوافقون على اغتصاب الارض.

بالمقابل فإن موقف الحكومات العربية ينص على اعادة الاراضي العربية المحتلة الى اهلها (على الاقل الاراضي المحتلة عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية بجوار الدولة الاسرائيلية، كما نصت عليه المبادرة العربية للسلام الواردة في اعلان بيروت)،. وتنظيم حملات ونداءات تناشد الضمير الانساني والاحرار والشرفاء في العالم من مثقفين وسياسيين واعلاميين ومهنيين او حزبيين ووزراء في الحكومات والبرلمانات ومنظمات العمل الاهلي والخيري والجامعات والشركات والمؤسسات ووسائل الاعلام وبخاصة في الولايات المتحدة الاميركية واوروبا والصين وروسيا والهند وفي جميع قطاعات المجتمع في كل مكان في العالم لنشر هذه الحقائق ومطالبتها بتوفير الدعم المالي والسياسي والمعنوي والكتابة الى ملوك ورؤساء حكومات العالم وعلى الاخص الحكومات الاميركية والحكومة الاسرائيلية بالانسحاب الكامل الفوري غير المشروط من الاراضي العربية وتحمل كافة المسؤوليات الادبية والمالية عن الهمجية الاسرائيلية في القتل والتخريب والتهجير والدمار على مدى اكثر من نصف قرن.

ان عكس ذلك هو انتشار الفوضى والحرب في المنطقة العربية والعالم، نتيجة استمرار قلب الحقائق والتضليل الاعلامي الصهيوني والدعم اللامحدود الذي تقدمه اميركا لاسرائيل.

ان كثيرا من الاحرار والشرفاء في العالم لا يعرفون الحقائق والوقائع الاساسية، وهم ضحايا التضليل الاعلامي. ان حملة واسعة تستهدف العالم الغربي يمكن ان تتم بدعوة الجميع الى ترجمة ما تقدم من حقائق الى اللغة المناسبة وارسالها الى الحكومة الاميركية والحكومة الاسرائيلية والى اكبر عدد ممكن من وسائل الاعلام في اميركا واوروبا والصين وروسيا. لنتصور قيام 100 مليون، فقط مائة مليون عربي ومسلم، اي اقل من 10% من العرب والمسلمين في العالم، ببث هذه المعلومات الى الجهات المقترحة. ولنتصور، بالمقابل، ما سيتركه ذلك من تأثير وما يؤدي اليه من نتائج.

* رئيس تحرير الموسوعة العربية العالمية