مفاجأة لوبن

TT

من السابق لاوانه الحكم على الوزن الحقيقي الذي اصبح يتمتع به اليمين المتطرف في الحياة السياسية في فرنسا بعد النتيجة التي حققها ممثله جان ماري لوبن في الدورة الاولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية بعد ان حل في المركز الثاني، مزيحا مرشح الاشتراكيين ليونيل جوسبان لينافس جاك شيراك في الدورة الثانية. وهي المرة الاولى منذ 50 عاما التي يحقق فيها اليمين المتطرف هذه النتيجة في بلد اوروبي رئيسي كان مصدر الهام لقيم الحرية والديمقراطية في التاريخ الحديث للانسانية.

فالصورة ستكون اوضح في الدورة الثانية في ضوء النسبة المتوقع ان يفوز بها شيراك ـ الا اذا حدثت مفاجأة اخرى ـ بعد ان قرر الاشتراكيون التصويت له، وكذلك في ضوء الصدمة التي يبدو ان الكثير من الناخبين الفرنسيين الذين غابوا عن التصويت في الدورة الاولى يشعرون بها، فاذا نزلوا للتصويت بكثافة فان الانتصار الذي حققه لوبن في الدورة الاولى سيكون مجرد حدث عابر له دلالاته ودروسه في الحياة السياسية في فرنسا وفي اوروبا عموما، لكنه ليس اتجاها متصاعدا او ظاهرة ستسيطر على مقاليد الامور.

ومع ذلك فان لوبن ليس ظاهرة تقتصر على فرنسا وحدها، وانما هو ظاهرة تشترك فيها معظم دول اوروبا التي وجد اليمين المتطرف فيها قضيتين رئيسيتين يعتاش منهما; الاولى المتعلقة بسياسات الهجرة واثارة مشاعر الخوف لدى المواطنين من قوافل المهاجرين تحت شعارات ان هؤلاء يغيرون ديمغرافية المجتمعات وينقلون الجرائم والعنف ويأخذون الوظائف، والثانية تتعلق بالخوف او الرفض لذوبان الهوية الوطنية في اوروبا الموحدة التي تضطر فيها الحكومات الى التنازل عن صلاحيات سيادية في الاقتصاد والسياسة لصالح القرارات الاوروبية الجماعية عن طريق مفوضية بروكسل والبرلمان الاوروبي.

وفي القضيتين يبدو ان هناك علامات استفهام تؤرق الناخبين في اوروبا، ولم تستطع الاحزاب الرئيسية التي تسيطر على الحياة السياسية ان تجد لها اجوبة مقنعة، ففي مسألة الوحدة الاوروبية التي تطورت الان الى بدء استخدام العملة الموحدة، هناك الكثير الذي لا يفهمه الناخب العادي حول فوائد هذه الوحدة حتى لو كان ثمن ذلك التنازل عن بعض القضايا السيادية، كما ان هناك فجوة بين السياسيين والجمهور العادي الذي قد يجد ان الخطوات التي اتخذت جاءت بشكل أسرع مما يستطيع ان يهضمه، او يستوعبه معنويا.

وفي مسألة المهاجرين فان هذه قضية ستظل مصدر توتر وقد تتصاعد لتأخذ اشكالا كريهة اذا لم يكن هناك استيعاب لها وقدرة على ايجاد حلول على المدى الطويل، بمعنى البحث عن صيغ مناسبة لدمج المهاجرين في المجتمعات التي يعيشون فيها في اطار قبول تعددية الهوية الثقافية لتكون مصدر ثراء للمجتمع وليس سببا للصدام، وبحيث تكون هذه الجاليات المهاجرة عناصر فعالة في النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وليس جيتوهات معزولة، تعيش في بلد لا تعرف عنه شيئا.

وعودة الى الانتخابات الفرنسية، فان انتصار لوبن المعنوي في الدورة الاولى للانتخابات الرئاسية لن يكون على الارجح سوى مسألة عابرة سجل فيها اليمين المتطرف نقطة لكنها ليست قابلة للاستمرار.