لقاء الرئيس ـ الأمير: نحو «فرض» حل عادل في الضفة وغزة

TT

وماذا بعد؟

هناك سكون نسبي يعلق الامل على لقاء الرئيس بوش والأمير عبد الله بن عبد العزيز في بلورة آلية عملية لتطبيق المبادرة السعودية التي باتت مشروعا عربيا للخروج من المأزق الراهن.

لقد تأجل اللقاء المنتظر مرارا قبل أن يتقرر عقده بعد يومين (25 ابريل الحالي) ما لم تؤجله او تنسفه احداث كارثية في المنطقة، كأن يعمد شارون، مثلا، الى اقتحام مقر عرفات المحاصر في رام الله قبل ساعات من اللقاء، او ان تخيم على اجوائه والنتائج المتوقعة منه عمليات انتحار او اجتياح جديدة.

كان هدف المبادرة العربية إغراء اسرائيل بسلام آمن مع العرب، في مقابل الانسحاب من الاراضي المحتلة في عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية حقيقية في الضفة وغزة، وانهاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي بعد الاتفاق على الحدود واللاجئين والمياه. هذا المشروع يبقى أسير النظرية، ولنقله الى الواقع على الارض، فقد تبلورت رؤية عربية تلقى قبولا في اوروبا تدعو الى «فرض» الحل بديبلوماسية القوة على اسرائيل والفلسطينيين.

ولعل الاهمية البالغة للقمة الاميركية ـ السعودية تتركز في محاولة اقناع ادارة بوش باللجوء الى التدخل الدولي لفرض الحل، تماما كما حدث في البلقان، بعدما تبين ان «ثنائية» العملية التفاوضية ادت الى المأزق الدموي الراهن.

الموقف الاميركي ما يزال يراهن على احتكار التسوية عبر مساعي وزير الخارجية كولن باول ووسطاء من امثال المخابراتي جورج تينيت او الديبلوماسي السياسي ميتشل. لكن المساعي التي اقتصرت الى الآن على تقريب وجهات النظر ونقل الرسائل أثبتت اخفاقها، كما دلت جولة باول.

لقد تكفلت الديبلوماسية العربية والتلفزيونية باقناع الاتحاد الاوروبي وروسيا بقبول مبدأ التدخل الدولي بـ«الفرض» الذي ترفضه اسرائيل معتمدة على «الأمركة» وحدها. لكن اقتناع ادارة بوش بالانتقال من الوساطة الى فرض التسوية الدولية كفيل بزحزحة الموقف الاسرائيلي.

وما يدعو الى التفاؤل بنجاح ديبلوماسية الأمير عبد الله تلك الاشارات المبهمة التي يرسلها الكوكب الاميركي عبر تناقضاته وذبذباته. فهناك تلميحات الى «توسيع» الوساطة بمشاركة دولية وعربية فاعلة في البحث عن حل.

واستطيع ان اقول ان الحاح كوفي انان على ضرورة انزال قوات دولية في الضفة وغزة، لم يكن ليصدر عنه، وهو الفاهم القريب مما يجول في عقل الادارة الاميركية، لو لم يعرف سلفا ان الولايات المتحدة باتت على وشك القبول بتعريب وتدويل وساطتها.

بل اذهب الى ابعد من ذلك، فاشير الى ان اسراع حكومة شارون الى بناء «جدار برلين» على طول «الخط الاخضر» مع الضفة يوحي بأن القوات الاسرائيلية سوف تنسحب اليه في حالة انزال قوات دولية. لكن الخطر في هذا الجدار ليس في طوله، وانما في عرضه الذي يبلغ عدة كيلومترات تقتطع من افضل اراضي الضفة الغربية، بحجة حماية اسرائيل من عبور «الارهاب» اليها.

غير ان الهدف الحقيقي لـ«جدار برلين» هو توسيع رقعة اسرائيل في العرض الاستراتيجي بين الخط الاخضر والبحر في حالة الانسحاب، ولتسوير المستوطنات الكبرى القريبة من الخط، ولإبعاد الفلسطينيين اكثر فاكثر عن القدس الشرقية التي يلحون بأن تكون عاصمة لدولتهم. ثم ارغامهم على الدخول في مساومة صعبة للقبول بمبادلة الارض الجديدة المستولى عليها بارض «اسرائيلية» اقل حيوية واهمية وبالمستوطنات البعيدة.

قبول مبدأ «الفرض» بانزال قوات دولية في الضفة وغزة لا يعني ان هناك اتفاقا على تشكيل هذه القوة. فالاميركيون يرفضون مبدئيا المشاركة فيها، وان كان هذا الزهد في ظني من قبيل الدلال. واذا توفر الاقتناع الدولي حاليا بأن هذه القوة يجب ان تكون رادعة ومسلحة جيدا، فليس واضحا الى الآن ما اذا كانت قوات للامم المتحدة، او قوات اوروبية، ومن قوات حلف الناتو تحديدا. واقول بتحفظ شديد ان مشاركة قوات عربية (اردنية ومصرية) ليست مستبعدة.

«فرض» الحل الدولي يطلق رصاصة الرحمة على تسوية أوسلو التي أجهز شارون عليها. فالتصور العربي ـ الدولي يدعو الى البدء في مفاوضات الحل النهائي. فقد ادى الحل المتدرج الى تعقيد المفاوضات حول التفاصيل بالمماحكة المتبادلة او المبالغة المتعمدة، وانهيار الثقة بين المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين.

اذا كان الانزال العسكري الدولي يفرض انسحاب القوات الاسرائيلية الى «جدار برلين» او الى مناطق تجمع وتمركز مؤقتة في الضفة، فلا يعني ذلك الغاء سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني. فسلطة عرفات ضرورية لتأمين حد أدنى من الادارة المدنية وللاستعانة بشعبيته المتجددة ومكانة قيادته الشرعية لاقناع الشارع الفلسطيني بالتسوية المفروضة، وللمساهمة في تحييد قوى الرفض السياسية والاصولية.

وهكذا، فمهمة التدخل العسكري الفصل بين المتحاربين، وتأمين الحماية للمدنيين الفلسطينيين، وتخفيف وطأة الحصار المذل لكرامتهم والمعرقل لحياتهم اليومية، ثم تأمين هدنة كافية للانتقال بسرعة الى مفاوضات التسوية. لقد فرضت المقاومة الفلسطينية الباسلة حتى على الاسرائيليين القبول بدولة فلسطينية. ربما كسب شارون المعركة العسكرية، لكن المشروع الصهيوني ـ التوراتي لاقتسام الضفة مع الفلسطينيين بات من الاوهام غير المقبولة دوليا وعربيا. وغدا واضحا ان قبول العرب باسرائيل على اربعة اخماس فلسطين (20 الف كيلومتر مربع) يفرض في المقابل قبول اسرائيل بقيام الدولة الفلسطينية على الخمس الباقي، اي في غزة (300 كيلومتر مربع) وفي الضفة التي تبلغ مساحتها خمسة آلاف كيلومتر مربع، وهي نصف مساحة لبنان.

الاخراج السياسي لمبدأ الفرض بديبلوماسية القوة يتم عبر عقد مؤتمر دولي. لقد قبل العرب في مدريد الجلوس مع شامير وهو بضآلة حجمه نسخة مصغرة عن شارون. وربما يقبلون على مضض الجلوس تحت مظلة دولية مع الحكومة الحالية، اذا تم انسحاب الدبابات الاسرائيلية الى مواقعها قبل بدء الانتفاضة في 28 سبتمبر 2000.

لقد تم الجلوس العربي مع شامير بعد اعترافه بقرارات الانسحاب الدولية. ويخطئ شارون اذا ظن لاهيا ان العرب يقبلون بعقد صلح وسلام معه دون انسحاب او بتجاوز الرقمين الفلسطيني والسوري. وفي المقابل، يتعين هذه المرة على السعودية ومصر عدم السماح لقيادة عرفات او لأية قيادة فلسطينية اخرى بادارة ظهرها للعرب و«خطف رجلها» مع الاسرائيليين الى أوسلو جديدة، ثم العودة الى الاستغاثة بالعرب بعدما غدر الاسرائيليون بأحلام الحل الفلسطيني المنفرد.

معنى ذلك ان مشروع الأمير عبد الله يؤكد على قومية الصراع وعروبة الحل، الامر الذي يذكّر ببعد نظر الرئيس السوري الراحل الأسد في رفضه التفرد الفلسطيني، انطلاقا من ان فلسطين استعيدت تاريخيا باجماع عربي ضد الغزاة، وليس بجهد فلسطيني ليس له وجود تاريخي خارج إطاره القومي العربي.

لا شك ان الأمير عبد الله يتحمل مسؤولية شخصية كبيرة في التقدم بالسعودية نحو مسؤولية مباشرة في ادارة الصراع والبحث عن حل. لكن هذه المسؤولية لا تلغي كما يتوهم بعض المصريين، الدور المصري التاريخي في الصراع وفي الحل. اذا كانت الحرب مستحيلة بلا مصر، فالحل صعب ايضا بلا مصر، بلا قيادة مبارك وخبرة فريقه التفاوضي العميقة بالعقل الاسرائيلي. واقصد بالذات خبرة عصمت عبد المجيد وعمرو موسى واسامة الباز في تبديد العوائق خلال اية مفاوضات عربية مع اسرائيل.

عندما يصف الرئيس بوش شارون بانه «رجل سلام» في الوقت الذي يراه خارجا من مخيم جنين ويداه تقطران بالدم الفلسطيني، وفي الوقت الذي ينبش الفلسطينيون بايديهم العارية جثث شهدائهم من تحت الانقاض، تبدو اميركا غير جادة في مساعدة العرب الجادين في وضع حد نهائي للمأساة والمجزرة.

لقد قامت مصر والسعودية بواجبهما القومي والدولي والانساني.. يبقى ان يدرك «اليمين الجديد المحافظ» المهتم بدور اميركا الدولية و«الجناح الديني» في الحزب الجمهوري الذي يستند الى «الكتاب المقدس» في «أحقية» اليهود بفلسطين، ان التحالف مع اللوبي اليهودي في الضغط على بوش الاصغر، سوف يفسح المجال لخسارة اميركا الحرب ضد «الارهاب» بامتناعها عن فرض حلول حاسمة وعادلة لأسبابه السياسية والاجتماعية.