الدولة الفلسطينية أول خطوة لتحقيق السلام

TT

ماذا يكلف الاعتراف بالخطأ؟ انتهت رحلة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى منطقة الشرق الاوسط بالفشل، فيما لا تزال الادارة الاميركية غارقة في مستنقع «عملية سلام» خالية المضمون. وبالتالي عادت الاوضاع الى طريق مسدود، اما السبب في الفشل المستمر فيمكن تلخيصه في استمرار الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، اذ لن يعود أي شيء الى مكانه الى ان تبدأ معالجة هذه القضية. ما يمكن قوله هنا هو ان الوقت قد حان لتفكير جديد في هذه المسألة. ايد وزراء خارجية الدول الاوروبية في فبراير (شباط) الماضي بالاجماع مقترحا ينادي باقامة دولة فلسطينية كنقطة انطلاق لأي عملية مفاوضات، كما تضمن المقترح ان تتمتع الدولة الفلسطينية باعتراف الدول الاخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة واسرائيل وان يكون لها مقعد في الامم المتحدة مع منحها مساعدات مالية دولية فورية وتمكينها من التفاوض مع اسرائيل على اساس المساواة القانونية. من مزايا خطة السلام المقترحة انها عالجت المأزق المتمثل في القضايا الامنية التي ظلت الولايات المتحدة واسرائيل تصران دون فائدة على وضعها في صدارة الاولويات. ما لم يكن هناك محفز واضح وملموس فإن ياسر عرفات لن يتحرك، وبالتأكيد لا يستطيع ان يتحرك، لوقف الهجمات الانتحارية، التي تعتبر السلاح الوحيد الذي يملكه الفلسطينيون ضد القوة الهائلة لدولة اسرائيل التي تسعى لاحباط قيام دولة فلسطينية ذات سيادة. وفي ظل عدم وجود مخرج من الاوضاع السائدة، فإن الاحساس المنتشر بالمرارة في مدن الضفة الغربية التي كانت هدفا للحملة العسكرية الاسرائيلية الاخيرة سيتحول قريبا الى موجات جديدة من الهجمات الانتحارية التي اعترف الخبراء الامنيون الاسرائيليون بالفشل في وقفها. خطة السلام الاوروبية للفلسطينيين، واعادة بناء المؤسسات وتدفق المعونات بغرض اعادة بناء البنية التحتية والاقتصاد والمنازل يجب ان يصاحبها انهاء فوري للاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية الذي ظل مستمرا على مدى 35 عاما. وباختصار، عندما يشرع الفلسطينيون في العيش في دولة جديدة ومجتمع جديد، فإن الهجمات الانتحارية ستفقد اهميتها سريعا، فالفلسطينيون لا يريدون الموت اكثر من الشعوب الاخرى، لكن رغبتهم في الموت ستظل مستمرة الى حين الحصول على مكاسب حقيقية.

لا يمكن مماطلة الفلسطينيين بالعودة الى طاولة مفاوضات في الوقت الذي ندرك فيه ان مبادئ أرييل شارون ومعتقداته الاساسية لا تسمح له بتقديم ما يقتضيه التوصل الى تسوية عادلة، اذ ان «طاولة المفاوضات» هذه ظلت خلفية مستمرة لتوسيع المستوطنات الاسرائيلية الجديدة تحت ظل كل الحكومات الاسرائيلية مما تسبب في انتشار «جزر مسلحة» عبر الاراضي الفلسطينية تهدد بتقليص اراضي الفلسطينيين ومحاصرتها بالشوارع الامنية المخصصة لاستخدام الاسرائيليين فقط.

دعونا نسقط المزاعم الاسرائيلية التي تقول ان «الفلسطينيين رفضوا صفقة باراك التي منحتهم كل ما كانوا يطالبون به تقريبا»، فالاتفاق المذكور يعج بالاخطاء والنقائص باعتراف بعض المحللين الاسرائيليين. كما من المؤكد ايضا ان كل ما عرض على الجانب الفلسطيني في السابق اقل مما هو مطلوب وعادل، اضافة الى انه ليس هناك زعيم فلسطيني بوسعه الإقدام على اتفاق مثل هذا. هناك الكثير من التفاصيل في خطة السلام الاوروبية التي لا تزال في حاجة الى المزيد من العمل، بيد ان جوهر المقترح يتلخص في اعطاء الفلسطينيين مقدما ما يمكن ان يوفر الثقة في ان المفاوضات ستجرى على اساس الكرامة والمساواة القانونية وليس من داخل مكتب عرفات المضاء بالشموع والمحاصر بالدبابات. فهذا هو الاذلال الذي يحرك ويؤجج داخل النفوس مشاعر الغضب والانتقام.

لا ينكر احد ان هناك فلسطينيين يرغبون في ازالة اسرائيل بكاملها، غير ان هذا لن يحدث اذ يدرك معظم الفلسطينيين ذلك. الغالبية العظمى من الفلسطينيين، بمن في ذلك عرفات، ترغب في التوصل الى سلام عادل يحفظ لها كرامتها، عند ذلك سيصبح بوسع عرفات التحرك لسحق جيوب التطرف المتبقية بتأييد شعبي، كما سيعلن الفلسطينيون عند ذلك رفضهم للعمليات الارهابية التي ستهدد مكاسبهم الجديدة التي حصلوا عليها بعد معاناة. لذا، فلنعترف بأخطاء الماضي ونتجه صوب نهج جديد، ولنسمح للجانب الاوروبي باتخاذ خطوة تنأى بنفسها عن حل شارون العسكري، الذي ما زالت واشنطن تؤيده للاسف حتى الآن. الفشل في ذلك لا يفضي سوى الى حصاد جديد من الدم والدموع وتوسيع مواجهتنا مع العالم الاسلامي.

* النائب السابق لمجلس الاستخبارات القومي التابع لـ«وكالة المخابرات المركزية الاميركية» (سي آي إيه)