لا تبنوه. بل أبقوه!

TT

تلقيت من الاستاذ عبد المحسن القطان، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني الاسبق، ومندوب فلسطين الى الصندوق العربي، الرسالة التالية:

اخي...

في هذه الايام الاستقلالية العظيمة من تاريخ فلسطين، اطلعت على اقتراحك باقامة اللجنة العربية الاهلية لاعادة اعمار جنين، والقائل ببناء حي حديث ولائق مكان المخيم المعذب. ومع تقديرنا لمشاعرك ومواقفك، فإننا، كجمعية اهلية فلسطينية في «مؤسسة التعاون» و«مؤسسة عبد المحسن القطان» العاملة في فلسطين، قررنا ان نقيم في مخيم جنين شيئاً آخر: ان نسَّور كل هذه الآثار وكل هذا الدمار ونحافظ عليه كما هو من اجل انشاء متحف للذاكرة. متحف نتركه لذاكرة اولادنا وذاكرة العالم وصورة صارخة عما فعلوا وعما كابدنا.

«وهذا لا يعني ألا تقام لابناء المخيم على بعد مسافة قليلة منه منطقة سكنية لائقة تشارك في بنائها كافة الدول العربية. ويكون فيها لكل دولة متبرعة شارع يحمل اسمها. اما ارض المخيم نفسها فيجب ان تبقى هكذا، شاهدة على عمق المعاناة الفلسطينية وعظمة الصمود الفلسطيني، وصورة لحياة واستشهاد شعب الجبارين هذا».

لقد اظهر القطاع الاهلي في العالم العربي في الآونة الاخيرة وعياً قومياً وسياسياً واجتماعياً رائعاً. وهذا ليس بالامر الجديد على شعب عربي يواجه معنا منذ سبعين عاماً مؤامرة الاحتلال، مرة بتدفق المجاهدين على ارض فلسطين نفسها، ومرة بفتح الجبهات، ومرات بالعون والمساعدة والمساهمة. واكتب اليوم هذه الاسطر من الكويت، حيث اتمنى لكل عربي ان يشاهد كيف عادت فلسطين الى كل زاوية من زواياها، فقد انعقدت المصالحة بصورة تلقائية عفوية جرفت معها ذكرى الاخطاء وبقايا المرارة. ويتقدم الكويتيون الجميع في حماسهم لقضية طالما وقفوا الى جانبها وجعلوها قضيتهم».

«يجب ألا تبهت في الذاكرة العربية والذاكرة الانسانية صورة الفظاعة الكبرى. وهذه الفظاعة لم تترك مدينة او قرية فلسطينية الا ومرت بها. ففي كل بقعة من الضفة الغربية وغزة شيء مما وقع في جنين، لكن جنين نفسها هي الصورة الاكثر وضوحاً والاوضح بياناً عن عقلية المستعمر ومدى ما يمكنه الذهاب اليه في رحلته الهمجية المستمرة منذ نصف قرن، مستخدماً كل قواه الطاغية في وجه الفلسطيني الاعزل والأم الثكلى والاطفال الذين اصبح حلمهم الاكبر هو الحصول على حجارة يدفعون بها عن انفسهم همجية الدبابات».

«اننا نناشد اخوتنا في جنين ابقاء كل شيء كما هو. وكما اسلفت فإن بناء متحف الذاكرة هو مسؤوليتنا وتعهدنا. لكنها مسؤولية لا تقف عند ذلك، بل اننا مدعوون، مثل كل فلسطيني وكل عربي، الى اعادة إعمار جنين التي دعوت اليها. واليوم، اكثر من اي وقت مضى، يعزز دور المؤسسات الاهلية والجمعيات الوطنية. واتمنى ان تعمل هذه المؤسسات يداً واحدة وان تعطي الشعوب درساً في وحدة الافئدة والسواعد».

اخوكم عبد المحسن القطان