العلاقات مع أميركا سر لا يمكن إخفاؤه

TT

تتمتع أغلب الدول العربية بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، وهي ليست وطيدة فحسب; بل انها تتقدم على جميع علاقاتها مع الدول الأخرى. وهو أمر لا يصعب ادراك مبرراته ولا تجاوز أهمية تعزيز تلك العلاقات، وصيانتها، والحفاظ على حيويتها، ودفئها. ومع أن العلاقات الحميمية مع القوة الأولى في العالم ليست تهمة، ولا فعلا يخجل صاحبه منه، فان اللافت للنظر أن الحديث الرسمي عن هذا الموضوع محظور، ويكاد يكون الحديث عنه في الشارع العام عملا غير مشروع. ومثلما تجتهد الدول العربية في اخفاء محفزات العلاقة الاستراتيجية مع أميركا، فان المسؤولين الأميركيين على اختلاف أحزابهم يتجاوبون مع الطرح العربي، ويحرصون على عدم الادلاء بتصريحات من شأنها احراج مسؤولي الحكومات العربية، وهم في دوائرهم، ووسائل اعلامهم لا يترددون في توضيح ذلك للرأي العام الداخلي. وكثيرا ما خرجت تصريحات من واشنطن ونيويورك تتحدث على لسان ذلك المسؤول العربي، أو تلك الحكومة العربية، بمواقف مؤيدة لوجهة النظر الأميركية، وتبرير ما يقوله اعلام البلد المعني على انه للاستهلاك الداخلي. لكن مواقفهم الفعلية متضامنة تماما مع رؤى البيت الأبيض، ومتطابقة دائما مع ما يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية.

بريطانيا، التي كانت يوما ما الامبراطورية العظمى، أفضل نموذج على مدى الشفافية في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهي تتمتع بقوة عسكرية هائلة، ونفوذ سياسي داخل الأمم المتحدة يوازي نظيراتها التي تتمتع بحق الفيتو، ناهيك من ان لبريطانيا تكتلا عالميا يدور في فلكها تحت اسم الكومنولث، يتغذى ثلثا أعضائه على المعونات والتسهيلات التي تقدمها لهم الحكومة البريطانية. ومع ذلك وغيره، وفي ظل حكومات مختلفة من المحافظين والعمال، لا تجد لندن غضاضة في أن تكون أول من يعلن عن تأييدها لواشنطن، وتقوم أحيانا بما يتناقض مع مصالحها في المنظور الأفقي القريب، ولكن المصالح العليا والاستراتيجية بعيدة المدى، تملي عليها الوفاء بالتزاماتها تجاه التحالف مع واشنطن، وهي تتحدث عن ذلك بكل صراحة ووضوح.

العلاقة مع أميركا ليست سرا يمكن اخفاؤه، ولا نمطا من التعاون مع دولة صديقة خدمة للمصالح الاقتصادية، وتعزيز المواقف السياسية، وتقوية الروابط بين المؤسسات المتماثلة، وعرى الصداقة بين شعبي البلدين، انما هي تحالف وثيق يقوم على ايمان عميق بأن الولايات المتحدة التي كانت أول دولة تقف في وجه العدوان على العرب، وتقدم نفسها كقوة عظمى قائمة على الحرية والعدالة والمساواة بين الشعوب هي خيار متطابق تماما مع قناعاتنا التي تؤمن بالقيم الانسانية ذاتها، ولأن مصالحنا الوطنية العليا، وحماية أمننا الوطني بما يتطلبه ذلك من تسليح فعال ومعدات متطورة وتدريب متقدم هو الأفضل في العالم يمكن الحصول عليه منها دون غيرها. ولأن استقرارنا وأمن المنطقة التي نعيش فيها مصلحة عليا تتفق مع المصالح الأميركية في المنطقة ذاتها، كذلك فان أولوياتنا الأخلاقية ومنطلقاتنا السياسية هي أقرب الى التلاقي مع نظيرتها الأميركية، لا الصينية أو الروسية أو الهندية. والحال ذاته بالنسبة لنمو اقتصاداتنا، التي تتوقف عليها تطلعاتنا وتحقيق آمالنا، اذ انها تجد في الاقتصاد الأميركي شريكا قويا تتطور معه امكاناتنا، وتزيد مواردنا. وهذا ما يتطلع اليه أولئك الذين يقدمون أنفسهم حراسا على مصالح الأمة، ويخشاه اللوبي المدافع عن أمن ومصالح اسرائيل داخل الولايات المتحدة.

العلاقة مع أميركا ممكنة دائما لكن النجاح في ادارتها، وتحقيق أفضل النتائج من ورائها، هو ما يمكن الشك فيه، طالما أننا لا ندخر جهدا في اخفائها، وطالما تقدمت الاعتبارات العاطفية على المسببات المنطقية، وطالما اسقطنا الواقع مع ما يعانيه من احداث ظرفية على الرؤية بوضوح للمستقبل المشرق، فان فرص النجاح محدودة وضعيفة للغاية.