صحافيان يهوديان أوروبي وأميركي

TT

دعا نادي الصحافة في دبي الى مهرجانه السنوي هذا العام عددا من ابرز الوجوه الاعلامية والفنية العالمية والعربية. وفي الجلسة الاولى جلس الى منصة واحدة الصحافي والدبلوماسي الفرنسي المخضرم اريك رولو، والكاتب الاميركي المثير للجدل توماس فريدمان، ورئيس تحرير «الواشنطن تايمس» السابق بن برادلي احد اشهر اسماء العاصمة الاميركية، والمستر مارتن وولكوت الكاتب في «الغارديان».

لم استطع ان امنع نفسي من المقارنة بين الرجلين الجالسين الى يمين المنصة: المسيو رولو، الذي تجاوز السبعين، والمستر فريدمان، الذي لم يبلغ الخمسين. الاول، يغطي الشرق الاوسط والشأن العربي «للموند» منذ الستينات او الخمسينات، والثاني يكتب في قضايانا في «النيويورك تايمس» منذ اوائل الثمانينات. كلاهما، من اصول يهودية. المسيو رولو مصري المولد، والمستر فريدمان اميركي المولد والمنشأ والمقام. تحدث توماس فريدمان اولا فقال «اجل، انني اتقاضى راتبي من اجل ان اكون متحيزا لا موضوعيا. تلك هي مهمة الكاتب».

وتحدث اريك رولو فقال ما معناه ان مهمة الكاتب ان يكون انسانا وان يلعن الظلم وان لا يبارك الجريمة. تحدث فريدمان كأميركي، يرى في اسرائيل حليفا يجب الوقوف معه في كل الحالات. وتحدث رولو كأوروبي يدافع عن حق اسرائيل في البقاء شرط ألا تكون أداة ابادة وقهر وموت.

دعا فريدمان الى التفاهم المتبادل واشار الى ان ثمة موتا وقتلا لدى الجانبين. ودعا رولو الى ابعاد القتلة ورفع الضيم عن الضحية ومحاسبة القاتل، وقال انه بعد ذلك فقط يمكن البحث في التفهم. تحدث فريدمان كمتفرج، وتحدث رولو كشاهد. تعامل فريدمان مع وضعين وقضيتين، وقال رولو ان مشهد الموت والقتل والعذاب في القضية الاولى لا يترك اي مجال لرؤية القضية الثانية.

تعرف توماس فريدمان الى قضية الشرق الاوسط في مدارس اميركا وجامعاتها. وتعرف اريك رولو اليها حين رأى الفلسطينيين يهجرون العام 1948 على ايقاع المذابح. ولم تكن الجلسة الاولى «حوارا» بين اهل الندوة بل كانت لقاء تضامنيا. لقد صفق الحاضرون طويلا للمسيو رولو، طويلا صفقوا له. وكادوا يهبون وقوفا لولا انهم لم يشاؤوا ان يحرجوا بقية المشاركين. فماذا يبقى للموضوعية في هذه الحال، وماذا يبقى منها، وماذا يبقى لها.

كان رولو احد ابرز كتاب «الموند» في عز نفوذها كصحيفة للنخبة في فرنسا. وبعد تقاعده عينه فرنسوا ميتران سفيرا في تونس، حيث اثار تعيينه حفيظة البلد المضيف. فقد كان رولو من المقربين جدا من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واصبح في مرحلة جزءا من الخلافات العربية. ولكن حياته المهنية تميزت بالجدية التامة. وصرف الكثير من وقته في شرح القضية العربية بصورة عامة للجمهور الفرنسي والغربي ايضا. فقد كتب في مرحلة دقيقة في الثمانينات «للنيويورك تايمس» في شؤون الشرق الأوسط. والقى الكثير من المحاضرات في المحافل الدولية الرئيسية. ولا يزال منصرفا، من مقره في باريس، الى نشاطات كثيرة في هذا الاتجاه.

الجلسة الاولى في «منتدى الاعلام العربي» كانت صورة لما هي الدنيا عليه حقا: الاعلام الذي يرى الموضوعية سبيلا الى التوازن بين الظالم والضحية، مؤنبا الضحية لانها لا تتفهم الوضع كما ينبغي، والاعلام الذي يراها سبيلا الى انقاذ الضحية قبل الاجهاز عليها.