ماذا أثبتت زيارة الأمير عبد الله؟

TT

بداية لا بد من القول ان زيارة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الى اميركا حققت نجاحا واضحاً واختراقاً كبيراً بالنسبة للفلسطينيين وللوضع في المنطقة عموماً. كذلك لا بد من الاقرار بان الزيارة تمت في ظروف صعبة، على صعيد مخلفات وآثار اعتداءات سبتمبر وما أدت اليه من تغيير في النظرة الأميركية وما اعقبها من حملة مركزة على العرب والمسلمين، وكذلك على صعيد الحملة الاعلامية الاسرائيلية التي هدفت الى «اختطاف» السياسة الاميركية في المنطقة ونجحت الى حد كبير في اعطاء صورة للاحداث من عين اسرائيلية، وفي تحويل الرأي العام الاميركي نحو الوجهة التي اختارها اللوبي اليهودي.

من هذا المنطلق فان زيارة الامير عبد الله لم تكن سهلة بكل المقاييس، بل تخللتها محادثات صعبة مع اركان ادارة بوش، وهي محادثات اوضحت ان امتلاك الانسان للحق لا يكفي، بل يجب ان يكسب المرء معركة الاقناع ومعركة الاعلام والرأي. لذلك خاض الأمير عبد الله حملة دبلوماسية قوية لدفع ادارة بوش الى التحرك والضغط على حكومة شارون، لان سياسات هذه الحكومة تدفع المنطقة كلها الى الهاوية ولا تتضرر منها دول المنطقة وحدها، بل اميركا وصورتها ومصداقيتها. كما ان سياسات حكومة شارون تدفع الامور باتجاه ما فشل فيه اسامة بن لادن، وهو اشعال حرب حضارات بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والاسلامي.

ايضاً خاض الوفد السعودي الرسمي المرافق للأمير عبد الله حملة اعلامية قوية في مواجهة حملة اللوبي الاسرائيلي التي لا تكتفي فقط بحجب حقيقة المعاناة الفلسطينية عن الرأي العام الاميركي، بل تسعى لتغيير المفاهيم والمصطلحات في الاعلام الاميركي لطمس الحقيقة نهائياً من خلال الهجوم المستمر على وسائل الاعلام هناك واتهامها زوراً بالانحياز والضغط عليها لاستخدام مصطلحات مثل «الاراضي المتنازع عليها» بدلا من «الاراضي المحتلة»، و«جرائم القتل» بدلاً من «العمليات الانتحارية»، و«الارهابيين» بدلاً من «الانتحاريين».

على الجهتين السياسية والاعلامية نجحت زيارة الامير عبد الله في تحقيق انتصارات واختراقات مهمة في اطار معركة لم تنته ويجب ان تتواصل لان ما تحقق يمكن ان يضيع لو تقاعس العرب أو توقفوا عن محاولة كسب المعركة «على عقل اميركا وقلبها». فاللوبي الاسرائيلي لن يتوقف، بل سيكثف من جهوده في المرحلة المقبلة لاحتواء آثار زيارة الأمير عبد الله. والمعركة الدبلوماسية والاعلامية الجارية في اميركا ربما تمثل الآن اهم الحلقات في اطار المعركة الكبرى لاستعادة الحقوق العربية ولتحقيق السلام العادل والشامل، ولتصحيح الصورة عموماً عن العرب والمسلمين في اميركا والغرب.

لقد اثبتت زيارة الامير عبد الله ان المعركة لاستعادة التوازن في السياسات الاميركية يمكن كسبها، وان اللوبي الاسرائيلي يمكن مواجهته فهو ليس «قوة اسطورية لا تقهر» اللهم الا اذا صدق العرب ذلك وقرروا عدم خوض المعركة، او اكتفوا بما يمارسه الكثيرون الآن من الضجيج والمزايدات الاعلامية ومخاطبة الذات، وترك ساحة المعركة الحقيقية للآخرين لكي يصولوا ويجولوا فيها.