كي لا يخسر العرب الرأي العام الأوروبي

TT

لست ادري «من» كان وراء الدعوة الى اصدار فتوى تحرم على المسلمين ـ الفرنسيين، الاقتراع لجان ماري لوبن، في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية. ولكني اجزم بأن اللجوء الى الفتاوى الدينية في الانتخابات والسياسة الفرنسية، خطأ فادح. وان من يعتقدون بأن مقاومة اليمين الشوفيني في فرنسا وأوروبا، يكون بالتكتلات الدينية أو الطائفية أو العرقية، إنما يرتكبون خطيئة مميتة بحق انفسهم، ويقدمون افضل هدية لليمين الفرنسي والأوروبي المتطرف. واذا كان وراء النجاح النسبي الذي حققه لوبن في الانتخابات الفرنسية، وبعض الاحزاب اليمينية الاخرى في دول اوروبية اخرى، تخوف الفرنسيين والاوروبيين من تزايد عدد المهاجرين الى بلادهم، ولا سيما العرب والمسلمين، (خمسة ملايين في فرنسا، وعشرون مليونا في دول الاتحاد الاوروبي). وغضبهم من بعض اعمال العنف والشغب التي يقدم عليها ابناء الجيل الجديد من العرب والمسلمين، المهمشين، فإن تكتل المسلمين والعرب الأوروبيين في «جماعات طائفية» منفصلة عن الحياة الوطنية والسياسية واعتمادهم السلبية وشعارات المقاومة الدينية، من شأنه ان يدفع بالفرنسيين والاوروبيين، اكثر فأكثر، الى حضن اليمين المتطرف. ويخدع نفسه كثيرا من يعتقد بأن لوبن والاحزاب اليمينية الاوروبية معادية لليهود. بل بالعكس، فإن الجماعات اليمينية الاسرائيلية ترحب بهجرة اليهود الفرنسيين والاوروبيين الى اسرائيل. (وان كان من الصعب حصول ذلك، اذ يتمتع اليهود في فرنسا واوروبا بحقوق وبأوضاع مميزة تفوق حقوق وأوضاع ابناء البلاد المسيحيين) فالعدو الحقيقي للوبن والشوفينية الفرنسية واليمين الاوروبي هم العرب والمسلمون والغرباء، بوجه عام، وليس اليهود.

وإنها لمراهنة خاسرة قديمة قام ـ ولا يزال يقوم ـ بها الكثيرون من السياسيين والمثقفين العرب. ناهيك بقسم كبير من الرأي العام العربي انطلاقاً من مبدأ «عدو عدوي، صديقي» ونعني بها المراهنة على اليمين حينا أو على اليسار حينا آخر، واخطر منها واوفر حظا بالفشل، اسقاط الرأي العام في الغرب والعالم واعتبار كل من لا يتبنى شعاراتك، عدوا. فلقد راهن زعماء عرب على المانيا والمحور في الحرب العالمية الثانية، باعتبار ان بريطانيا وفرنسا كانتا تستعمران البلاد العربية. وخسروا الرهان. وراهن اخرون على الاتحاد السوفياتي، بعد قيام اسرائيل والحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. وبالرغم من ان موسكو قدمت مساعدات كثيرة للعرب في معاركهم ضد اسرائيل، الا ان انهيار الاتحاد السوفياتي والشيوعية، جعل من الولايات المتحدة، حليفة اسرائيل، صاحبة الكلمة الأولى والوحيدة، في العالم. واليوم، قد يعتاد البعض بأن السلبية والارهاب و «السلاح الديني»، هو كل ما تبقى للعرب والمسلمين من اسلحة في صراعهم ضد اسرائيل وحلفائها في العالم. وانه لخطأ تاريخي جديد يرتكبه اصحاب هذا التفكير السياسي او هذا النهج النضالي. ولن تتوانى اسرائيل، وغيرها من الشعوب الغربية، التي يخيفها هذا النوع من النضال السياسي العربي أو هذا الجهاد الديني الاسلامي العربي، وتخشى على نفسها منه، من استغلال ذلك لاسترجاع ما خسرته من سمعتها في العالم، بعد وصول شارون الى الحكم ولاستثارة الرأي العام الاميركي ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين. (70 في المائة من الاميركيين يتعاطفون مع اسرائيل، اليوم، وفقا لآخر احصاء).

ان دول الاتحاد الاوروبي وشعوبها، لا تشاطر اليوم الولايات المتحدة موقفها من الصراع العربي الاسرائيلي، ولا تخفي تعاطفها مع الشعب الفلسطيني ولا تبخل عليه بالمساعدات كذلك بعض الدول الكبرى في العالم، كروسيا والصين والهند واليابان. فهل يجوز، كما يفكر أو يقول بعض المتطرفين والغلاة العرب والمسلمين، «فتح جبهات» ضد هذه الدول والشعوب، داخل اراضيها، واستعداء حكوماتها وترويع اهاليها، وبالتالي خسارة تأييدها ومساعدتها؟

ان استراتيجية اسرائيل للصمود في وجه العرب والعالم والشرعية الدولية معروفة: التقوية الذاتية عسكريا وتكنولوجيا، استجلاب اكثر ما يمكن استجلابه من مساعدات خارجية، السيطرة على الرأي العام وعلى مصادر القرارات السياسية والمالية في الدول الكبرى، و بنوع خاص الولايات المتحدة الأميركية، ايضا، وخصوصا، الحؤول دون توحد كلمة للفلسطينيين والعرب والمسلمين واستثارة الخلافات والنزاعات بين الانظمة الحاكمة في الدول العربية والاسلامية، وبين هذه الانظمة وشعوبها. وليس سرا ان معظم الفرص التي تنتهزها اسرائيل لتحقيق اهداف استراتيجيتها، هي الفرص التي يقدمها العرب والمسلمون انفسهم لها، والتي توفرها المواقف السلبية والتعصب الديني والتطرف والارهاب، لا سيما الذي يقع خارج الأراضي الاسرائيلية ويستهدف المدنيين.

وانه ليس بالامر المعقول ولا بظاهرة طبيعية او منطقية، ان لا يكون العقل السياسي العربي بعد نصف قرن واكثر من الصراع ضد اسرائيل والهجمة الصهيونية على المشرق، قد عثر على الاستراتيجية الانسب او الافضل لكسب هذا الصراع أو على الأقل لوقف التراجع امام التحدي الاسرائيلي وما يحدث اليوم على ارض فلسطين او في الامم المتحدة او في الادارة الاميركية، لا يبشر بأي حل سلمي للصراع ولا بطلوع اي فجر للسلام في الشرق الأوسط.

ان ربط او رهن مصلحة او مصير العرب والفلسطينيين، بالنزاعات الدائرة في العالم، مراهنة خاطئة. ولكن عزل الصراع العربي ـ الاسرائيلي عما يجري في العالم من صراعات وتحديات وتجاذبات، موقف خاطئ. والذكاء كل الذكاء، هو في تسخير الاوضاع الدولية لخدمة المصالح والاهداف العربية، وتجنب دفع ثمن النزاعات الدولية وتداعياتها السلبية على المصلحة العربية. وليس من السهل على العرب والمسلمين، في اوضاعهم وظروفهم الموضوعية الراهنة، النجاح في امتطاء هذين الجوادين المندفعين في اتجاهين متعاكسين.

في أوروبا الغربية اليوم عشرون مليونا أو اكثر من العرب والمسلمين. ودورهم في «تحبيب» الاوروبيين بالعرب وبالمسلمين وبالاسلام، مهم جدا. وسواء استطاعوا انشاء قيادات سياسية منهم ولهم، ام استمرت الدول العربية والاسلامية في «قيادتهم من بعيد»، فإن خير ما يستطيعون تقديمه لخدمة الامة العربية والاسلام، هو انسجامهم مع المجتمعات التي يقيمون فيها، هو الابتعاد عن العنف والارهاب والتطرف «والطائفية».

ان كسب الصراع ضد المشروع الاسرائيلي الصهيوني يتطلب استبدال التفكير والتصرف السلبيين، عند العرب والمسلمين، بتفكير وتصرف ايجابيين. كما يتطلب كسب الرأي العام في الغرب في جانب الحق الفلسطيني والعربي، وغير ذلك يخدم اسرائيل.