بالإقناع لا بالقنبلة الهيدروجينية

TT

«الحقيقة اننا لم نجبر الاميركيين على ان يغيروا موقفهم، لم نهددهم بنفط او قنبلة هيدروجينية، كل ما فعلناه اننا اقنعناهم.. اقنعناهم بسلامة الموقف الفلسطيني والعربي»، قالها وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل وهو يهم بمغادرة فندق فور سيزونز في هيوستن، حيث اعتصم الوفد السعودي هناك.

انهت الاعتصام مكالمة من البيت الابيض اعلن فيها الرئيس الاميركي جورج بوش موافقته على المقترحات السعودية. بعدها قرر الوفد الغاء اليوم الاضافي للزيارة الذي مدد لاعطاء المفاوضات فرصة اطول حتى يحسم الرئيس امره. كانت اشبه بحالة اعتصام امتنع فيها الوفد عن أي نشاطات سياسية خارج الموضوع الفلسطيني ولم يحضر الا عشاء واحدا اقامته ارامكو، ولم يزر احدا الا مرة كانت لوالدي الرئيس.

وعندما شدد الامير سعود على كلمة الاقناع اوضح بانها اقوى الاسلحة خاصة ان الجانب العربي يملك موقفا سليما. لا شك في ان الرئيس بوش قبل هذه الزيارة كان اسير الرأي الاسرائيلي، اي انه لم يتبن موقفا منحازا مؤيدا للعدوان بقدر انه تبنى قناعاته كما فهم الازمة، وهي ان ما يفعله الاسرائيليون دفاع عن النفس، بعد ان قتل منهم اكثر من اربعمائة شخص معظمهم من المدنيين، في عمليات انتحارية تذكر بوش بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. ايضا من العوامل التي زادت الطين بلة قناعة الرئيس بوش بأن الرئيس الفلسطيني ليس محل ثقة وقد سبق ان كذب عليه. اي ان العنصر الكيميائي الشخصي بين الزعيمين مفقود ايضا.

وعندما يجتمع الفهم المشوه مع النفور الشخصي فان الحصيلة تصبح خطيرة كما رأينا: حصار على رام الله ودمار في جنين. الرئيس بوش ظل ينظر الى الازمة الاخيرة من هذين الجانبين، اي ان الاسرائيليين يردون على الاعتداءات وان الشعب الفلسطيني يستحق قائدا له مصداقية افضل من عرفات، على الاقل لا يتجرأ على ان يكذب على رئيس دولة تملك امكانيات تحر عظمى.

ودخل الاسرائيليون بخبث من هذه الفتحة الواسعة الى البيت الابيض مذكرين الرئيس بالعمليات الانتحارية التي قتل فيها من الاميركيين في يوم واحد اكثر مما قتل من الفلسطينيين والاسرائيليين في عام كامل، ومشككين في كل وعد يقدمه عرفات بحكم انه اشتهر بعدم صدقه.

وعلى عشاء ارامكو كنت اجلس الى جانب رئيس مجلس ادارة شركة تكساكو البترولية الاميركية الذي تابع نشاطات الرئيس. سألته عن شخصية بوش قال: انه رجل متدين، محافظ، وعملي، وهذه الصفات الثلاث هي التي قادته الى البيت الابيض سريعا. قلت له ان هذه الصفات، ان كانت صحيحة، تجعل بوش رجلا سهل التعامل معه خاصة ان معظم السياسيين الاميركيين يشتهرون بانهم غير عمليين حتى لا يحاسبوا على أي التزامات كانت. وينسب الى والد الرئيس، بوش الاب، قوله ان «الثقافة» عند ابنه جيف، حاكم ولاية فلوريدا، و«الحظ» عند ابنه جورج دبليو الذي صار رئيس الولايات المتحدة. ونحن، رغم اننا لا نصوت انتخابيا، لا نريد زعيما مثقفا بقدر ما نريده رجلا عمليا نستطيع ان نتكل على وعده ونرجو ان يكون بوش كذلك.