واشنطن والتعاطف العربي والإسلامي

TT

في لقاء لي مع صحافية امريكية قالت بأن الشعب الامريكي غاضب اشد الغضب من الشعب الكويتي، الذي خذله في اول فرصة احتاج له فيها لدعم قضيته العادلة في الحرب ضد الارهاب. وتساءلت لماذا نسي الشعب الكويتي التضحيات الامريكية لتحريره من النظام العراقي الذي غزا دياره؟! ولماذا تدينون حربنا في افغانستان وأنتم تعلمون بأنها حرب ضد من اعتدوا علينا وفجروا مدننا وقتلوا ابرياءنا؟! قلت لها بأننا لم ننكر العون الامريكي للكويت وقت حاجتها، ولكن ثمة فرقاً بين امتناننا للولايات المتحدة فيما قدمته لخدمة قضيتنا العادلة وبين موقفنا من قضايا امتنا العربية والاسلامية بشكل خاص، وموقفنا من قضايا حقوق الانسان في العالم بشكل عام، ونحن لم نطلب من الولايات المتحدة اهدار حقوق الانسان في سبيل تحرير بلادنا وطرد الغزاة منها. وهذا ما لم نره في الحملة الامريكية على افغانستان.

ما أردت بيانه هنا، هو ان الكويت تعتبر «ترمومتر» حساسا تقيس به الادارة الامريكية مدى ولاء وحب الشعوب العربية لها، وقد فاجأتها نتائج الاستبيان الذي قام به معهد غالوب في عدد من الدول الاسلامية لمعرفة مدى تعاطف الشعوب الاسلامية مع الولايات المتحدة، حيث جاءت النتائج مخيبة لآمال كثير من اصدقاء الولايات المتحدة في الكويت، فقد بينت ان 41% من الكويتيين لديهم رأي سيئ تجاه الولايات المتحدة، وان 36% من الكويتيين يرون بأن اعتداءات 11 سبتمبر يمكن تبريرها اخلاقيا، وان 69% قالوا بأن العملية العسكرية في افغانستان ليس لها مبرر اخلاقي، بينما عدّ 89% من الكويتيين بأن اعتداءات 11 سبتمبر لم ينفذها عرب.

ولست معنيا هنا بتفسير نتائج الاستبيان وخلفياته، لكن ما يهمني في ذلك هو ان الشعب الكويتي، شأنه شأن الشعوب العربية الاخرى، يتفاعل بشدة مع قضايا امته المصيرية، ويتألم لما يصيبها، ويحرص على مد يد العون لكل من يستنصره في قضاياه العادلة، ولا يعني ذلك تنكره للولايات المتحدة التي ساعدته في محنته، وخطأ تفسير تلك المواقف بأنها من باب الغدر وعدم الوفاء.

ولئن تجاوزنا قضية افغانستان والجدل الدائر حول ضرورة التدخل الامريكي من عدمه، فإن الولايات المتحدة الامريكية تبدو كأنها اوقعت نفسها في ورطة كبيرة بسبب دعمها اللامتناهي والمثير للجدل للكيان الصهيوني، وخصوصا في تلك الظروف العصيبة التي كشر فيها ذلك الكيان عن انيابه وتحدى العالم كله في اجتياحه غير المسبوق للاراضي الفلسطينية، والمجازر التي ارتكبها بحق مئات المدنيين الابرياء، واعتقال الآلاف منهم وهدم البيوت وتدمير الممتلكات، وفرض الحصار القاتل على ذلك الشعب الاعزل، بالرغم من الاستنكار الدولي والغضب العارم لشعوب العالم قاطبة على ما تقوم به اسرائيل.

ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية كادت تفقد التعاطف العربي والاسلامي معها عامة، بعد ان كسبت تعاطف العالم كله معها بعد احداث 11 سبتمبر، وذلك بعد ان جابت الدنيا بأساطيلها وجيوشها الجرارة رافعة شعار «الحرب على الارهاب».

فهل هنالك ارهاب اعظم مما يقوم به ذلك المجرم شارون ضد شعب اعزل لا ذنب له غير انه يدافع عن ارضه وعرضه ومقدساته؟! وكيف تجرؤ الولايات المتحدة الامريكية على ادراج منظمات وحركات تدافع عن شعوبها وارضها في قائمة المنظمات الارهابية، وتطالب العالم بالتصدي لها، وما هي المقاييس التي تضعها الولايات المتحدة للتفريق بين الارهاب وبين الدفاع عن النفس؟! وكيف يصف الرئيس الامريكي بوش اسرائيل بأنها دولة ديمقراطية، وان ما تقوم به هو دفاع عن النفس مقابل التطرف الفلسطيني. ويصف شارون بأنه رجل سلام في الوقت الذي يسحق فيه مئات الرجال والنساء والاطفال، ويتولى جنوده ذبحهم ويهدم بيوتهم على رؤوسهم؟! يبدو ان الولايات المتحدة فقدت بوصلتها ولم تعد تدرك حجم العزلة العالمية التي تعيشها اليوم، والتي تزداد اتساعا، فمنذ تفردها بقيادة العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وهي تتخبط في قراراتها، وتتعالى على الشعوب، وتنفرد بالقرارات، ولا تبالي لردات الفعل التي تتوالى منذرة اياها بعدم التمادي في تجاهل الآخرين واحتقار آمال الشعوب المستضعفة وتطلعاتها. وفي اعتقادي ان ذلك مرده فئة قليلة استطاعت، في غفلة من الزمن الاستحواذ على التوجيه واتخاذ القرار في الولايات المتحدة، وسيطرت على الاقتصاد والاعلام، وبذلك وصلت الى مراكز اتخاذ القرار في ذلك البلد الكبير.

يجب ألا نراهن على السقوط السريع للولايات المتحدة استنادا الى تلك السياسات الخاطئة وازدواج المعايير، لأن اسباب القوة ما زالت لديها خصوصا في ظل عدم وجود البديل المنافس، فأوروبا الموحدة على سبيل المثال لا يمكن ان تلعب، في القريب العاجل، دورا مضادا للولايات المتحدة الامريكية او رادعا لها عن غيها وتسلطها على الشعوب، وكذلك حال اليابان والصين.

وهذا يدفعنا الى القول بضرورة العمل على المدى البعيد لتغيير الرأي العام الامريكي إن لم يكن لنصرة قضايانا المصيرية العادلة، فعلى الاقل لتخفيف حدة الانحياز الاعمى ضدها، ويمكن وضع استراتيجية متكاملة تعتمد على سياسة العصا والجزرة في التعامل مع الولايات المتحدة، فاما سياسة الجزرة فتقوم على توجيه خطاب اعلامي متميز الى الشعب الامريكي مباشرة يبين عدالة قضايانا وبراءة عقيدتنا الاسلامية من الارهاب، ورغبتنا في اقامة مجتمعاتنا على الحب والعدل والتسامح والصداقة مع الشعوب المحبة للسلام، ورفضنا للذين يعتدون على شعوبنا ويحتلون ديارنا ويقتلون ابناءنا.

كذلك لا بد من استغلال دور العرب والمسلمين في الغرب وفي الولايات المتحدة ودعمهم ومساندتهم لتوصيل تلك الآراء لشعوب تلك الدول، ومخاطبة الشعب الامريكي باللغة التي يفهمها، وتعزيز دور المسلمين في الانتخابات الامريكية والضغط على المرشحين لتبني قضايا امتهم. ولو انفقت الدول العربية على تلك الوسائل مليار دولار سنويا وبشكل منظم لوجدت النتائج المذهلة والتغير السريع في الرأي العام الامريكي.

اما سياسة العصا فتقوم على التحول التدريجي نحو الدول التي تبدي تعاطفا افضل تجاه قضايانا سواء في مجال شراء السلع والتبادل التجاري او تبادل الخبرات او الاستثمار في تلك الدول، او بتقديم تسهيلات لها في شراء النفط والضرائب الجمركية، واعلان ذلك بوضوح، لان تلك الدول تضع مصالحها الحيوية فوق جميع الاعتبارات. وهي حين تشعر بأنها ستفقد تلك المصالح فانها لن تتورع عن نسف علاقاتها باسرائيل. كذلك فإن استخدام المقاطعة الاقتصادية يمكن تفعيله، ولكن بذكاء وبتعاون ما بين الشعوب والحكومات. ان الطريق شاق وطويل ولكن لا بد من سلوكه الآن بدلا من ندب حظوظنا والبكاء على تنكب الولايات المتحدة لقضايانا.