أسعد الله نهاركم

TT

كانت أول غزوة لي في عالم الفكر وأنا طفل غرير، هي أن أعرف ما هي السعادة وكيف الحصول عليها. كنت في سن الثالثة عشرة عندما استعرت كتاب «قصة الفلسفة اليونانية» أملا في أن أجد فلاسفة اليونان يجيبون عن سؤالي. كانت خيبة كبيرة فلم أجد فيه غير فقرات صغيرة في الموضوع وعرفت أن كل أولئك الفلاسفة لم يذوقوا غير التعاسة في حياتهم، وان احدهم ـ أعتقد كان اسمه سقراط ـ أنهى حياته بشرب السم. أغلقت الكتاب ثم قضيت ثلاثة أشهر أعاني من الصداع. وما زلت أعاني من الصداع وطبعاً من البحث عن السعادة.

وفي مسيرتي الفكرية هذه التقيت طبعاً بشتى الفرضيات، قال الانكليز ان الرجل السعيد هو من يتزوج امرأة يابانية ويعيش معها في الرفيرا الفرنسية ويكون عنده طباخ صيني، ما زلت غير واثق من الركن الثالث هل المقصود منه ليطبخ له أكلا صينيا أو ليسد رغبات المرأة اليابانية.

بيد أن الصينيين أنفسهم لهم رأيهم في موضوع السعادة، وكيف لا؟ اطلبوا العلم ولو في الصين. قالوا إذا أردت أن تكون سعيداً لساعة واحدة فاشرب قدحا من العصير وإذا أردت أن تكون سعيداً لثلاثة أيام فتزوج وإذا أردت أن تكون سعيداً لثمانية أيام فاذبح خروفاً وكله وإذا كنت تريد أن تبقى سعيداً طوال حياتك فكن بستانياً.

هذه طبعاً ترجمة حرة للقول الصيني، وإلا فإن الصينيين لم يقولوا عصيراً وإنما قالوا نبيذاً، ولم يقولوا خروفاً وإنما قالوا خنزيراً، ولكنني طبعا كرجل مسلم لا يجوز لي أن أنطق بهذه الكلمات المشينة في صحيفة عربية مسلمة.

أخذت أقوام أخرى كثيرة هذه الحكمة الصينية القديمة وطوروها حسب مفاهيمهم عن السعادة. ففي بريطانيا مثلا اعاد صياغتها اللورد ميسن فقال إذا أردت أن تكون سعيداً ليوم واحد فاخرج لصيد السمك (وهذا قول سيطرب له الدكتور غازي القصيبي). وإذا أردت ان تكون سعيداً لأسبوع فتزوج، وإذا أردت أن تكون سعيداً لشهر فاذبح خروفا (خنزيرا كما قال) وكله، وإذا أردت أن تكون سعيداً مدى الحياة فدخن غليونا.

سيسأل القارئ الكريم عن سر هذا الحماس الكبير من جانب عضو مجلس اللوردات البريطاني اللورد ميسن للتدخين بالغليون. والجواب هو أنه كان رئيسا لجمعية مدخني الغليون البريطانية، وصار رئيساً لها لأنه كان يملك معملاً لإنتاج الغليونات.

وهذه فرصة طريفة لإجراء مقارنة بين الانكليز والصينيين. فالصيني يتحمل الزوجة لثلاثة أيام، في حين أن الانكليزي يتحملها لمدة اسبوع، مما يكشف عن برودة أعصاب الانكليز وصبرهم. والرجل الصيني يأكل الخنزير في بحر أسبوع ليكون سعيداً في حين أن الانكليزي يأكله في شهر، مما يفسر نحافته ويشير إلى بخله.

ماذا لو اقتبسنا المثل لمجتمعنا العربي؟ اعتقد يجدر بنا أن نصيغه هكذا: إذا أردت ان تكون سعيداً ليوم واحد فاذبح خروفا وكله. واذا اردت أن تكون سعيداً لأسبوع فتزوج، وإذا أردت أن تكون سعيداً لشهر فطلق من تزوجت، وإذا أردت السعادة مدى الحياة فلا تسمع نشرات الأخبار.