تراجع الحرب ضد الإرهاب

TT

لكي تستوعب لماذا بدأت حرب اميركا ضد الارهاب في التراجع، يمكنك التسلل الى «كهف بات»، الخاص بإدارة بوش عند تقاطع طريق الاستخبارات وقاعة الشيفرة (لا. أنا لا اخترع ذلك) في القاعدة البحرية في واشنطن. وهو المقر الجديد لمركز الدفاع الذي سترد منه اميركا على هجمات الجمرة الخبيثة، والجدري والهجمات النووية، وعمليات اختطاف الطائرات المتعددة، او غيرها من الاحذية التي ستسقط في المستقبل.

وقد عرض توم ريدج بصدر منتفخ، مركز القيادة يوم الاربعاء على مجموعة من الصحافيين.

وأبدى ريدج، الذي كان يقف امام اربع شاشات تلفزيونية مسطحة بعرض 50 بوصة، تقديره واعجابه بالقدرات السرية للغاية للمركز المستقل للمعلومات الحساسة. ولسوء الحظ، ففي الوقت الذي تتيح فيه شبكة التلفزيون عقد مؤتمرات بالفيديو بين غرفة متابعة الاوضاع، في البيت الابيض، ووكالة الاستخبارات المركزية، فإن الشاشات المسطحة الضخمة كانت تعرض برامج تلفزيونية، احدها كان «محكمة الطلاق».

وقد عكس مركز القيادة ما هو اكبر من ذلك: بعد بداية رائعة بدأت الحرب ضد الارهاب تتراجع.

ولا يتعلق الامر فقط بعدم العثور على بن لادن، ولا على اولئك الذين ارسلوا رسائل الجمرة الخبيثة، بل انه بالرغم من النشاط الهائل الذي بذل حتى الآن، مثل خلع الاحذية في المطارات، فإننا ما زلنا، كأمة، غير قادرين على استباق الكارثة المقبلة بخطوات، مثل السيطرة على الاسلحة النووية، وتعلم كيفية التخلص من التلوث بعد هجمات الانثراكس، وفحص الحقائب التي تم فحصها، وحاويات السفن، وخفض اخطار دول مثل العراق وكوريا الشمالية.

وربما كان فقدان قوة الدفع محتما بمرور الوقت، ومن المؤكد اننا حققنا تقدما في كل هذه المجالات، وان كان ليس بالسرعة الكافية. والنتيجة هي اننا نفقد مقص الاظافر عندما نصعد الى الطائرة، في حين لا يزال في امكان البعض تفجير قنبلة قذرة في مدينة نيويورك وتدمير اقتصاد البلاد، او ارسال مائة رسالة ملوثة بالانثراكس حول العالم، وتعطيل النظام البريدي في جميع انحاء الولايات المتحدة. ويبدو ان الاميركيين دخلوا مرحلة من الخمول بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول)، بسبب الاجراءات الامنية المفروضة. ولكن علينا ان نتذكر ان عمليات القاعدة تجرى مرة كل سنة او اكثر.

وبسبب الاجراءت الجديدة، فقد كنت هادئا في آخر رحلة كبيرة لي. فقد قدم لي الفندق، الذي كنت اقيم فيه في السودان، هدية وداعية عبارة عن مدية جيب، وبما انني لا أحمل سوى حقيبة ظهر، فقد اعتقدت ان البعض سيعثر عليها ويصادرها. خبأت المدية بعناية، وبالرغم من مروري عبر ثلاثة مطارات دولية، والكشف فيها على حقيبتي بأشعة اكس، في كل مرة، فان احدا لم يعثر على المدية. لقد كانت حملة افغانستان انتصارا، وتفوق بوش على الرؤساء الاميركيين الآخرين في احاطة نفسه بمجموعة من المستشارين الاذكياء ذوي الخبرة في قضايا الامن. ولكنه يرفض ارسال مجموعة صغيرة من القوات كقوة امنية تحافظ على السلام هناك، وبالتالي فإن الاستثمار في مجال الافراد، والجهود المبذولة يمكن ان يضيعا. هل توجد تفسيرات لذلك اكثر من الخمول والكسل لشرح مبرر الاحتفاظ بـ47 ألف جندي في اليابان، بالرغم من عدم وجود اي تهديدات، عدا تهديدات سكان الكواكب الاخرى، فما زلنا نرفض ارسال عدة آلاف من الجنود للحفاظ على الاوضاع في افغانستان؟

وهناك الوضع في العراق. لقد ادى فشل الرئيس الاميركي في التدخل في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، في وقت مبكر، الى صعوبة ابعاد صدام حسين في اي مدى قريب.

وعلى الجبهة الداخلية، ولنبدأ بمنح ريدج وظيفة حقيقية، فلنسمح له بالحديث الى الكونغرس. لقد تبين للبيت الابيض، في وقت متأخر، ان بنية الدفاع الداخلي بحاجة الى اعادة نظر لمنحه هيبة «المتر دوتيل».

لقد كان ريدج فرحا للغاية وهو يعرض علينا مركز القيادة الجديدة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»