إسرائيل.. متمرد أبدي على القوانين

TT

تنص المادة الرابعة من ميثاق هيئة الأمم المتحدة على أن «العضوية فيها متاحة لجميع الدول المحبة للسلام، والتي تأخذ على نفسها التقيد بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق».

كما ان المادة الأولى من هذا الميثاق حددت مقاصد الهيئة ومبادئها، وهي «حفظ السلام والأمن الدوليين وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ التدابير الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولازالتها، وتقمع اعمال العدوان وغيرها من وجوه الاخلال بالسلم».

فهل اكتسبت اسرائيل عضوية الهيئة باعتبارها دولة محبة للسلام؟

من الثابت ان هذه الدولة خرجت الى الوجود بولادة قيصرية، وانها كانت ثمرة لعدوان متمادٍ على أرض شعب، وعلى شعب هذه الأرض الذي يعمرها منذ قرون طويلة، وان تسللها الى عضوية الهيئة شكل أول خرق للشرط الوحيد، وهو أن يكون العضو المرشح لها محباً للسلام، فهل كان هذا الشرط متحققاً في الكيان الاسرائيلي الذي قام على سلسلة طويلة من أعمال القمع والمجازر، والاغتصاب، وانتهاك حقوق الانسان والتطهير العرقي؟

ها هي الآن عضو في الهيئة.. فتعالوا نراقب سلوكها، ومدى التزامها بمبادئ ومقاصد هذه المرجعية الدولية التي انشئت لتكون ملاذاً للشعوب المقهورة المناضلة من أجل حريتها وحقها في تقرير مصيرها، وحامياً لها من كل عدوان، وحارساً للقيم التي تميز الحضارة الانسانية.

لقد استهلت اسرائيل نشاطها كعضو أصيل في الهيئة بانتهاك قرار تقسيم فلسطين، ثم تتالت الانتهاكات وتتالى غض النظر عن سياساتها بشكل بدت معه كياناً استثنائياً فوق المساءلة، وطوطماً مقدساً لا يجوز ان يمس بسوء أو حتى أن ينال بنقد، وكثيرة هي القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، وعن مجلس الأمن الذي هو الاداة التنفيذية للهيئة، وحيث تلزم المادة الخامسة والعشرون من الميثاق كل عضو منتسب بالاذعان لها. ولكن اسرائيل اختارت ان تتمرد دوماً متسلحة بالحماية المطلقة التي راحت توفرها لها الولايات المتحدة الأميركية، التي احتضنتها وأباحت لها ان تتحدى الهيئة ومجلس أمنها، وان تستخف بكل الشرائع الدولية، وتطويعها لتكون في خدمتها وخدمة مشروعها العنصري العدواني التوسعي.

من أهداف هيئة الأمم احترام حقوق الانسان والحيلولة دون انتهاكها، ولكن اسرائيل تنتهكها كل يوم.

ومن اهداف الهيئة تحريم العدوان ومقاومته، ولكن اسرائيل اباحت لنفسها ان تهاجم دولاً اعضاء في الهيئة: هاجمت لبنان واحتلت عاصمته بعد ان مر دمارها وبطشها بجنوبه وبقاعه الغربي، واحتلت الجولان السوري وهدمت قراه ومدنه، وشاركت بفعالية في العدوان الثلاثي على مصر، وسيطرت بقوة الحديد والنار والقتل الهمجي على كامل فلسطين الجغرافية، وتمادت في غطرستها، فهاجمت في تونس، وقصفت في بغداد، ومارست القرصنة في المياه الاقليمية العربية، والاجواء العربية، وتجرأت فتجسست على ولي نعمتها، وراحت تشارك في التآمر على كل نظام ديمقراطي متحرر، وعلى الرغم من التحريم الدولي لأسلحة الدمار الشامل بنت مفاعلاً نووياً ورفضت القرار الدولي بالمراقبة، وانتجت، وما زالت تنتج، من القنابل النووية ما يكفي لتدمير الشرق الأوسط، وخزنت الاسلحة الكيماوية، ولم تتورع عن توزيع التهديدات اليومية على لبنان وسوريا وايران، والتحريض الحاقد على العراق. والتورط المخطط في المؤامرة الانفصالية في السودان، ودس أنفها القذر في النزاع الاثيوبي/ الاريتري.

ويحرم ميثاق الأمم المتحدة الارهاب. وها هي ترتكب في المنطقة المحتلة من فلسطين أبشع الجرائم الارهابية اذ تفرض عليها حصاراً نازياً، وتتصدى للمؤسسات والمنظمات الانسانية الدولية والاقليمية والوطنية وتمنعها بقوة السلاح من تأدية واجبها في اسعاف الجرحى، وتتولى هي الاجهاز عليهم، وتصدها عن ايصال الماء والمواد الغذائية والطبية الى المحاصرين، وتختار هي لهم الموت جوعاً ومرضاً، ويذكرها الرأي العام العالمي الغاضب بوجوب احترام اتفاقيات جنيف في معاملة الأسرى أو المدنيين تحت الاحتلال، فتعدم من يقع في أسرها، ومن ينجو من القتل تعرضه للقتل بأشد اساليب التعذيب الوحشي، وتقصف بنيران مدافعها وطائراتها ودباباتها كل مظاهر الحياة، وتدمر الابنية وتدفن سكانها بوحشية لا مثيل لها تحت الانقاض، وتعتدي على المعابد، فتحاصرها وتقصفها، وتنتهك قدسيتها، وآخر «مآثرها» محاصرة كنيسة المهد في بيت لحم، وقصفها.

ويحاول الاعلام ان ينقل الى العالم ما يجري على الأرض، وتلك هي رسالة الاعلام في نقل الحقائق، فتلجأ الى مطاردة الصحفيين والمصورين وطردهم وتحطيم آلاتهم. وتعاملهم بقسوة لم يتعودوها، وذلك لكي يخلو لها الجو، ولتشبع شبقها الى الدم، وتخفي عن عين الدنيا قذارة جرائمها والصورة المرعبة «لجنين» هيروشيما الجديدة.

والعنصرية التي تفرض روح الميثاق على هيئة الأمم ان تحاربها، لأنها تشويه للوجه الأنبل للشعوب، تجسدها اليوم دولة اسرائيل، فهي تصر على ان تبقى كياناً عنصرياً بكل بشاعة الكلمة. وهي تتمسك بترهاتها التلمودية وبأنها شعب الله المختار، ومن اجل ذلك تعامل من تبقى من العرب الفلسطينيين تحت رايتها كرعايا من الدرجة العاشرة لا ميزة لهم الا انه لا حقوق لهم.. اما الآخرون الذين يعيشون على الجزء الآخر من فلسطين (الضفة والقطاع) فقد قطعت أوصال مداهم الجغرافي رغم ضيق مساحته، وحولت مستوطناتها قراهم وتجمعاتهم السكنية الى معازل حقيقية تذكر بمعازل افريقيا الجنوبية تحت الاستعمار الأبيض، وها هي الآن تشن عليها حرباً هولاكية، وتذبح بسكين اميركية وقبضة صهيونية. وعجز عربي معيب.

تنص المادة الخامسة من ميثاق الهيئة على ما يلي:

«يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملاً من اعمال المنع أو القمع عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها».

كما تنص المادة السادسة على أنه «اذا امعن عضو من اعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادىء الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن».

ها هي اسرائيل وقد تعودت على انتهاك قرارات الأمم المتحدة، وأدارت ظهرها لأوامر مجلس الأمن، وداست قراراته المتلاحقة. وما الإهانة التي وجهتها اخيرا ًالى هذه المرجعية، باجبارها على تصفية اللجنة التي شكلتها لتقصي الحقائق في جنين الا الدليل على تمردها، واستعلائها وقد سجل لها تاريخ الأمم المتحدة منذ نشأتها حتى الآن عدم التزامها بأي قرار من قراراتها.

فهل بعد ان تمادى الوحش الصهيوني في عدوانه على كل القيم الانسانية والشرائع الدولية، واثبت بكل تصرفاته عنصريته وعدوانيته، هل تتجرأ الأمم المتحدة، ومجلس أمنها فينتصران لكرامتهما ويطبقان بحق اسرائيل ما نص عليه الميثاق؟ ويسقطان عضويتها في هذه المرجعية الدولية، ويعيدان احياء القرار السابق الذي صادقت عليه الجمعية العمومية في 11/11/75 والذي قضى باعتبار الصهيونية شكلاً من اشكال التمييز والتفرقة العنصريين؟ وعلى الأقل تطبيق الفصل السابع من الميثاق بحقها؟

* نائب لبناني سابق