الحذار من الجمع

TT

كما رأينا يوم امس، حاولت مرغريت ثاتشر تعظيم شأنها باستعمال صيغة الجمع للتفخيم «نحن». ورغم ان هذا الاستعمال التقليدي لصيغة الجمع شائع بيننا لأغراض التعظيم والتفخيم، فلا بد لي ان ابادر الى التحذير خشية ان يقع البعض في مأزق بسبب ذلك ويسيء استعمال صيغة الجمع. لربما تقرأ ذلك امرأة بسيطة القلب فتلجأ اليه وتقول هذا الفستان اشتراه لي ازواجي، سأطبخ اليوم باميا لأزواجي.

وهذا هو المطب الذي اوقعت فيه احدى النساء نفسها عندما نصحت خادمتها بالتظاهر بالجمع والكثرة. قالت لها عندما اطلب منك امام الضيوف ان تأتيني بقدح ماء فقولي بأي قدح؟ الذهبي او الفضي او المرجان؟ واذا سألتك عن مسبحتي فقولي أي واحدة؟ الكهرب، او اللؤلؤ او اللازورد، وهكذا. حضر الضيوف بعد ساعة فقالت لخادمتها : روحي نادي على رجلي. فقالت أي واحد منهم تبغين هانم؟ الأشقر ابو عيون زرق او العبد القصير، او الآخر الايراني، او ... وربما يحاول استاذ في جامعة ان يتملق للسلطة بالحديث عن منجزات البلاد وانتصاراتها ويقول انها من نتائج عبقرية زعماء البلاد (بدلا من عبقريات الزعيم الأوحد) فتودي به المحاولة البريئة الى السجن بدلا من عمادة الجامعة. فالجمع يوحي بوجود تعددية وهو شيء يعتبر من المبادئ الهدامة. وعليه فينبغي الاحتراس في استعمال صيغة الجمع. وكقاعدة ينبغي تحاشيها كليا عند ذكر الثورة والانتفاضة والزعامة والنضال والحزب. هذه كلمات تزداد بهاء وروعة بصيغة المفرد. والواقع ان هذا شيء خطر للمارشال مونتغومري. فبينما عمدت ثاتشر الى تفخيم نفسها بصيغة الجمع، دأب مونتغومري الى تفخيم شأنه باستعمال صيغة المفرد. ما سأله الصحافيون سؤالا الا وقال: نعم قررت انا الإنزال في نورماندي... واستطعت ان اضلل المارشال رومل... وبعد ان اخذت نورماندي زحفت على باريس.. .هلمجرا. هذه صيغة توحي للسامع بأن كل العشرة ملايين شاب من جنود الحلفاء الذين قتلوا في الحرب، ماتوا قضاء وقدرا، ولا علاقة لهم بالنصر. يتطلب كل ذلك براعة من المتحدث المتطلع الى العظمة والفخامة ـ وهو هوس المثقف العربي. كثيرا ما تؤدي صيغة الجمع لا الى التصغير من شأن المتحدث وحسب بل والى التشكيك في صدقه وامانته ايضا. ومن احسن الأمثلة على ذلك القول الشائع بين الأساتذة والكتاب: «ان من رأينا ...كذا وكذا». ماذا يقصد بذلك؟ تشير الصيغة الى وجود جمهور من المفكرين يحملون هذا الرأي. وأي طفل جاهل يعرف انه لا يوجد من المحيط الى الخليج مفكران عربيان اثنان يتفقان على رأي واحد. هذا استعمال يشكك في مصداقية القائل. وان من رأينا تحاشيه كليا. وكثيرا ما ادى استعمال صيغة الجمع من قبل الهواة القليلي الخبرة بصيغ التفخيم الى مصائب حقيقية. ومنها ما حصل لبياع ثلج ذكر شيئا عن وجود دود في الثلج المؤمم ونصح الناس بغليه قبل استعماله. ما ان قال اثناء التحقيق معه: «والله هذي اشاعة وسمعناها» حتى القوا به في السجن. من كان معه عندما سمع ذلك؟ وما هي المنظمة السمعية التي ينتمي اليها ؟ كم اعضاؤها؟ من يمولها... الخ. لا عجب ان نرى اجدادنا يؤنثون الجمع ، ففيه مكر النساء.