حديث الخلاف السعودي ـ المصري

TT

ليس غريبا ان تتشابك وتتعقد وتتعارض بعض مصالح الدول العربية بحكم الجغرافيا وباسم الرابطة العربية من دون الحاجة الى ان نعتبرها خلافات خطيرة ومن دون ان نفسر كل ما يحدث بأنه جزء من الاشكال القائم. وليس غريبا الا تختلف دول في نفس المحيط، فالمنتجة منها للنفط مثل الخليجية والجزائر وليبيا تدعو الله ان يزيد السعر الى اربعين دولارا للبرميل، وهذا لا بد انه يقلق الدول العربية المستهلكة للنفط مثل لبنان والمغرب والاردن التي تصلي داعية ان تفيض السوق بالنفط حتى يصبح ثمنه دولارا. هذان موقفان عربيان متضادان لأسباب مقبولة ولا يمكن لأحد ان يفرض على اي طرف ان يغير موقفه منها، والمواقف المتعارضة لن تؤدي الى حرب ولن تفسد اي قمة عربية. منذ اكثر من سنة ونحن نقرأ متعجبين عن استمرار الخلافات بين عدد من الدول العربية، السعودية ومصر، ومصر وليبيا، وسورية والاردن ونحوها، دون ان يثبت لاحدنا ان هناك خلافات حقيقية. وخصت وسائل التحليل والتفسير الاعلامية اهتمامها بالعلاقة بين السعودية ومصر واضعة كل العلاقة تحت المجهر على امل اصطياد ازمة كبيرة، سخر منها باستمرار، مرة حول مشكلة ليبيا، ومرة حول عقد القمة في القاهرة، وبعدها حول التعامل مع العراق، واعقبها الحديث عن خلاف حول مبادرة السلام. وبالطبع ليس صعبا ان يضع المرء نظرية ثم يعكف على ترتيب الاحداث لاقناع الناس بها، لا العكس، اي استنباط النظرية من وسط الحدث. فمن الممكن ان نقول ان العلاقة السعودية ـ المصرية هي الافضل تاريخيا ونرتبها بناء على ان اكبر عدد من المصريين في الخارج هم اليوم في السعودية، وان اكثر السعوديين يفضلون السفر الى القاهرة، وان اكثر التبادلات التجارية العربية هي بين البلدين، وان اكثر السياسات الخارجية تطابقا هي ايضا بين البلدين، وبالتالي يستطيع المحلل ان يزعم انها افضل علاقات في كل المراحل التاريخية. ولو شاء المرء اثبات نظرية العداء نبه الى قلة الزيارات الرسمية وآثار ما يقال عن خلافات حول القضايا المختلفة واعلن انها اليوم اسوأ علاقات يعرفها البلدان.

لكن ما هو الصحيح؟ هل هي علاقة متكاملة ام انها متآكلة؟

في ظني الشخصي ان العلاقة السعودية ـ المصرية اصبحت اكثر انواع العلاقات السياسية ترتيبا، وهذا لا يعني انها رائعة او متردية. فكلمة مرتبة اعني بها انها تسير وفق حدود معقولة عند التوافق وعند الاختلاف. وهذا التطور يعكس مهارة السياسيين على الجانبين الذين اصبحوا قادرين على فصل ما قد يطرأ على العلاقات من اشكالات هي طبيعية بحكم الجوار والتشابك السياسي والاقتصادي. ففي السابق عندما يطرأ خلاف يعرض له حتى المواطن العابر من الجوازات ورجل الاعمال المستثمر ولاعب الكرة، هذا لم يحدث بين البلدين منذ زمن طويل. فالخلافات والاتصالات الحسنة تسير على قضبان مستقلة عن بعضها وبالتالي تحل او لا تحل دون ان تؤثر على مجمل العلاقة او حتى بعضها. وهذا الامر جرى امتحانه في قضايا العمالة والصادرات والصحافة والتجاذب السياسي وغيرها، وحسب معرفتي جميعها نجت من التأثير الا على محيطها الصغير. ان تطوير العلاقات بدرجة لا يدخلها الماء يعني انها علاقة متطورة تقوم اساسا على الثقة وهذه الكلمة هي مصدر الحل والتأزم في المنطقة. فالثقة تكاد تكون معدومة بين معظم الاشقاء، وتصوير كل مشكلة بأن وراءها علة خطيرة، سواء كانت منع استقبال شحنة من البصل او مشكلة جنائية او مقال في جريدة. في تصوري ان العلاقات المصرية ـ السعودية هي اليوم متطورة وقادرة على ما قد يحدث وما قد يشاع حولها.