مذكرات فاقد الذاكرة

TT

القصائد.. والقصص.. والروايات.. واللوحات.. والمقطوعات الموسيقية وغيرها من وسائل ووسائط الابداع الفني كلها ليست اكثر من خرائط بالشفرة رسمها الجهاز العصبي للشاعر والكاتب والرسام والموسيقار.

فالوهم والخيال والتصور كلها فروع من فروع علم الاعصاب.. هكذا يقول لورنس شاينبرج في كتابه العجيب «مذكرات فاقد الذاكرة».. وبديهي ان الذي يفقد ذاكرته لا يكتب مذكراته.. ولكن المؤلف يلجأ في كتابه الى اكثر الاساليب مراوغة وخداعا ليصل الى ما يريد ان يقول.. انه يغوص في اعماق الموضوع بمهارة الجراح الذي يغوص في اعماق اللحم والدم للعثور على العروق والاعصاب.. وليس التشبيه بعيدا عن الواقع.. فالكتاب هو قصة التدهور العقلي الذي اصاب جراح المخ والاعصاب اسحق دروجين وقد كتبها في شكل يوميات دورجين نفسه.. ثم جاء لورانس شاينبرج واعاد صياغتها باسلوب ادبي رائع وغامض ومثير.

لقد حاول دروجين ان يقدم للعالم وثيقة عن سنواته الاخيرة يستفيد منها العلماء.. والادباء والانسانية عامة وصفحات الكتاب تصيب القارئ بالدوار.

فالاسئلة كثيرة.. واكثر هذا الكثير بدون اجابة.. اسئلة مثل هل فوضى المخ مسألة عضوية ام نفسية؟ هل المرض.. كل مرض.. هو مرض عقلي نفساني غير عضوي ام هو تلف بالمخ؟ وهل الغيبوبة مجرد مسعى روحي لكسر روابط الجسد بالعالم المادي؟

وطريقة الكاتب تقوم على عمليات متصلة من التأمل والخيال في محاولة لوضع فلسفة جديدة في المعرفة والمنطق والانسان.. ويقول الجراح الكاتب.. او المؤلف: بالرجوع الى الماضي يبدو لي ان من المحتمل جدا ان تكون معاناتي من فقدان الذاكرة اقل من معاناتي من خوفي من فقدها.. وان معاناتي من مسألة ثانوية اكثر من معاناتي من مسألة اكثر اهمية. فمن الذي يقرر اهمية حدث ما.. شيء ما. هل هو انا ام عقلي.. وهل عقلي يسيطر علي، ام اسيطر انا على عقلي؟

* * * اسئلة.. اسئلة.. وكتاب مدوخ، ولكنه ممتع.. غامض، ولكنه مثير.. وغريب.