الاحتماء بالأسوار.. حماقة أثبتها التاريخ لا توفر الأمن وتعكس غياب الاستراتيجية

TT

البحث المستغيث في اسرائيل عن وسيلة للاحتماء من العمليات الانتحارية، يدفعها، الان، الى التفكير ببناء سور امني يحيط بالفلسطينيين، ويعزلهم عنها. «ليس من الصعب بناؤه» حسب تأكيدات حديثة لرئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، بنيامين نتنياهو، لكن الاصعب هو تخيل هدف مثل هذا السور المعقد، وتصور فكرة حماية شبكة المستوطنات المترامية داخل الضفة الغربية باسوار، والتي تبدو غير عملية.

لكن السؤال الاهم اصلا،ً يدور حول فعالية الاسوار، واذا كان من الممكن الاتعاظ من تجارب التاريخ، فالاحتماء من العدو خلف الجدران العالية، اجراء يعود،الى الطرواديين اصحاب اشهر مثال على فشل الاسوار في تأمين الحماية.

يسهل تجاوز الجدران عبر تطور التقنيات، او من خلال الضغط الشعبي من الخارج، وايضاً من خلال سرعة الحركة او تخفي الخصم. يقول الروفيسور وليم ماكنيل، استاذ التاريخ في جامعة شيكاغو، ان سور الصين العظيم فشل في توفير الحماية لانه كان طويلاً جداً. اقيم السور لابعاد الاعداء البدو عن البلاد، ولكنهم كانوا يتحركون على ظهور خيولهم اسرع من المشاة الصينيين، مما اهلهم للتجمع السريع عند أي نقطة واختراقها قبل وصول قوات الدعم الصينية اليها. في النهاية لم يتخلص الصينيون من خصومهم بفضل السور وانما بعد التفاهم والاتفاق معهم.

لقد واكب بناء الاسوار اختراعات خصصت لهدمها او تجاوزها، بدءا بالمنجنيق ثم السقالات المتحركة متعددة الطوابق التي كانت تدفع الى الاسوار لاعتلائها، وهاجم المنغولي الغازي جنكيز خان اسوار الصين بمعدات قذف كانت تحمل على العربات وظهور الحيوانات.

وقد تم تسجيل التطور الدرامي بين الاسوار وتغير التقنيات المضادة لها عبر التاريخ في كتاب صدر حديثاً بعنوان «درع اخيل» لمؤلفه فيليب بوبت. يقول المؤلف: ان تدمير اسوار القسطنطينية (اسطنبول) في عام 1453، كان الخطوة الحاسمة في نهاية التسور، وبداية عهد الدولة الحديثة. اقيمت المدينة على سبع هضاب تشرف على مضيق البوسفور، وكانت القسطنطينية مثالاً لاستحالة اختراق دفاعات الاسوار، حتى حول الاتراك العثمانيون حجارتها الى رمال، بفضل اختراع جديد، كان عبارة عن ماسورة من الحديد الهش تقذف كرات حجرية. كان المدفع التركي صعب المناورة، واكتشف الخبراء الفرنسيون امكانية استعمال كرات قذف من الحديد الذي تصنع منه اجراس الكنائس. ومع نهاية القرن الخامس عشر غزا شارل الثامن ايطاليا بمدافعه الجديدة. وقد يكون سيباستيان لابريستر فاوبان، اخر كبار منظري دفاعات الاسوار. كان سيباستيان، رئيس الهندسة العسكرية في قوات الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، قد استوعب استحالة حماية الاسوار من الاختراقات، فصمم بدل السور الواحد عدة اسوار متعرجة متوازية لتعقيد حركة العدو عبرها وبينها، كسباً للوقت في تجميع القوات المضادة.

الفكرة الوريثة لنظرية سيباستيان هذه الايام هي، الدفاعات العديدة المتتالية، كما هو الحال بين الكوريتين، حيث تتراكم اساليب دفاعية وحواجز معقدة. لكن ذلك لن يعيق، على الارجح، غزو الشمال للجنوب الا قليلاً. ما يمنع الحرب بين شمال وجنوب كوريا بالفعل، كما يقر الخبراء، ليس خط الهدنة المعقد، بل فكرة الردع، أي استعداد كل طرف للرد بقوة كاملة على أي غزو يقوم به الطرف الاخر.

لم ينظر التاريخ الحديث بأي عطف او تفهم الى الاسوار، واحد الامثلة الشهيرة على ذلك، هو نظام الدفاع الضخم الذي اقامة وزير الدفاع الفرنسي اندريه ماغنيو في الثلاثينات على الحدود مع المانيا، والذي لم يقدم للفرنسيين سوى وهم الاحتماء خلفه من هجمات الالمان، الذين تدفقوا بدورهم الى فرنسا عبر بلجيكا. اما جدار برلين فقد نجح في عزل شرق المدينة خارج العالم الغربي المحيط بها، ومهما كانت اهمية ذلك الجدار الامنية، فقد قدم خدمة سيئة لصورة الاتحاد السوفياتي عبر العالم.

بدراسة هذه الامثلة، قد يستخلص الاسرائيليون ان الاسوار تستطيع ابطاء الخصوم العنيدين، ولكنها لا تقدم خدمة الحماية التامة ابداً، وانها ليست بديلاً لحلول سياسية، وانه يمكن استغلالها ضمن دعاية الخصم المضادة اكثر مما تقدمه من شعور بالامن. اقامة الجدار لا تعبر عن استراتيجية، بل تعكس غيابها.

* خدمة نيويورك تايمز (خاص بـ«الشرق الأوسط»)