فلسطين هي أن نكون أو لا نكون

TT

ان تكون ايرانياً مخلصاً لوطنك، ومدافعاً جدياً عن مصالح وأمن بلادك القومية العليا، يعني بالضرورة ان تكون مدافعاً مخلصاً عن القضية الفلسطينية، ومتحملاً جزءاً يتناسب مع حجم بلادك وموقعها الجيوسياسي والجيواستراتيجي في جغرافية العالم وخريطته السياسية.

وينطبق هذا الأمر على مصر بقدر ما ينطبق على سوريا وعلى السعودية، بقدر ما ينطبق على الأردن ولبنان وهلمجرا، ولكن وكما قلنا، بتناسب الحجم والموقع والنسبة التي يمثلها كل بلد من البلدان العربية والاسلامية من مجموع المعادلة.

هذا الكلام ليس شعراً ولا نثراً تحريضياً للدفاع عن القضية الفلسطينية، من حيث هي قضية مركزية للعرب والمسلمين، بقدر ما بات حقيقة دامغة اكدتها، ولا تزال، الوقائع والاحداث ومجموع التطورات الاقليمية والدولية خلال ما لا يقل عن نصف قرن من الزمان، مرت على منطقتنا وبلادنا العربية والاسلامية.

وأنا من جانبي، واذ أعرف بدقة المطَّلع والمتابع لهذا الملف، بأن مثل هذا الموضوع قد اشبع بحثاً ودراسة ونقداً، في الأدبيات السياسية العربية، طوال النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم، الا ان ما جاء على لسان الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني في مؤتمر الامام الخميني ودعم القضية الفلسطينية، الذي عقد الاسبوع الماضي في طهران بهذا الخصوص، بدا لي وكأنه نوع من الاستذكار المؤلم لهذا الملف ـ الجرح، الذي لا يزال مفتوحا أمام العرب والمسلمين، رغم تكرار التجارب المرة الكثيرة أمام أعيننا جميعاً دون ان نتعلم منها، نحن النخبة على الأقل، اذا كانت الحكومات قد غادرت هذا الملف «راضية مرضية!».

يتساءل رفسنجاني: «اذا كان الفلسطينيون قد قدموا افضل ما عندهم وارقى ما لديهم، من جهاد ونضال وعطاء وفداء، في هذه القضية طوال المدة الماضية، وامتحنوا في اكثر من عشر محطات تاريخية على الأقل ونجحوا في هذا الامتحان بامتياز، فلماذا لا تزال القضية تراوح مكانها اذن دون تقدم جوهري يذكر، بالرغم من كل التضحيات العظيمة المذكورة؟! وهذا ما تعرض له رفسنجاني بتفصيل تاريخي مسهب ما له وما عليه، لكن ما يهمنا منه في هذا السياق هو سبب بقاء الأمور على حالها من حيث اعادة تكرار المشهد نفسه الخاص، حيث يصل نضال الفلسطينيين الى قمة العطاء، ثم تسحب «يد خفية» تاج النصر النهائي منهم وتحيل «شهادة الوطن ـ الدولة التاريخية» الى خبر كان من جديد! وقد طالب رفسنجاني بمحاكمة تاريخية مفتوحة لبريطانيا وامريكا والمجتمع الدولي، بما فيه المجتمع الاسلامي ـ العربي، بحيث يتحمل كل طرف مسؤوليته عما حصل، ولا يزال، من ظلم لهذا الشعب صاحب القضية التاريخية التي تلخص معاناة الانسانية بكل صورها. انه محق في ذلك، الا انه لم يتطرق، برأيي، الى جوهر الاشكالية التي عاشتها ولا تزال القضية الفلسطينية، رغم تلون الظروف وتحولها من حولها واتخاذها اشكالاً متعددة، سياسية مرة وحقوقية اخرى، وحربية في كل الاحيان، ومعاناة انسانية دائماً.

وهذا الجوهر، بزعمي، هو في نظرة العرب والمسلمين الى هذا الملف. وخلاصة رأيي في هذا السياق هي كما يلي:

أولاً: ينبغي وقبل كل شيء، أن نعترف ونقر عربا ومسلمين بأننا لم نتعامل مع هذا الملف المعقد والمتشابك، والذي يلخص معاناة الانسانية كلها كما ينبغي ويجب، بل غالبا ما تعاملنا معه ببساطة وببعد واحد يطغى في كل مرحلة من المراحل على سائر الأبعاد المكونة له.

ثانياً: ان المشكلة لا تكمن في الفلسطينيين انفسهم مهما اخطأوا أو قصروا، سواء في فهم الأبعاد، أو في التعامل معها، فهم في حالة مواجهة حياة أو موت، ووجود أو عدم، مستمرة لا تسمح لهم بالتنظير أو الاختيار. وقد قدموا افضل وارقى ما لديهم، ليس باعترافنا فقط، بل وباعتراف الخصم والعدو ايضاً.

ثالثاً: ان مهمة التحرير والنصر لا تقع على عاتق الفلسطينيين، بقدر ما هي واجب العرب والمسلمين بل واحرار العالم ايضاً، وهذا بدوره ليس شعراً أو نثراً تحريضياً بقدر ما هو حقيقة موضوعية. فمهمة الفلسطيني هي الصمود في المواجهة والتحمل والصبر على المعاناة، وهي المهمة التي يؤديها ولا يزال على امتداد ما يزيد على القرن من الزمان بامتياز.

رابعاً: حتى نتأكد كيف ان مهمة التحرير وتحقيق النصر ليست مهمة الفلسطيني، يكفي ان ندرس، بعناية، ظاهرة ظهور وتبلور الصهيونية ونشأة الدويلة ـ الكيان الاسرائيلي، لنعرف ان هذه القاعدة العسكرية الاستيطانية المتقدمة للمصالح الاستعمارية الغربية، لم تنشأ من اجل تأسيس دولة على حساب دولة أو حتى على حساب شعب فحسب، بقدر ما انشئت لتكون خنجرا يحفر في «المصالح القومية العليا» لكل قطر عربي أو مسلم في اطار سياسة الاخضاع والسيطرة على موارد ومقدرات هذا الجزء الحيوي الهام من العالم.

خامساً: ما لم يقرر العالم العربي والاسلامي ان يكون بمثابة هيئة اركان كاملة متكاملة للتحرير والنصر، في فلسطين، فإن مثل هذه المهمة لن تتحقق على ايدي الفلسطينيين وحدهم مهما قدموا من تضحيات. المطلوب باختصار ان نكون حتى اكثر من اتحاد سوفياتي وصين مجتمعين لفيتنام العرب والمسلمين، وهذا ايضاً ليس شعراً ولا نثراً تحريضياً، بل مهمة وطنية يومية للايراني والمصري والعراقي والسعودي والتونسي والمغربي، ناهيك من اللبناني والاردني والسوري.

أي ان أياً من هؤلاء حين يقوم بمهمة التصدي للصهيونية ومخططات اسرائيل فوق الأرض الفلسطينية المحتلة، انما يدافع عن مصالحه الحياتية اليومية والحيوية والاستراتيجية، في شيراز وكراتشي والاسكندرية والمدينة المنورة وحلب، بقدر ما يدافع عن فلسطين، وهو في كفاحه هذا يتضامن مع الفلسطينيين.

اذا اردنا لفلسطين ان تنتصر وتتحرر فعلاً، فيجب ان نقبل بهذه القراءة الواقعية والحقيقية والا فإننا سوف نخسر، ليس فقط فلسطين، بل وطهران واسلام آباد والرياض ناهيك من عواصم هي اقرب الى فلسطين من حبل وريدها.