وساطة أميركية نزيهة بين الهند وباكستان

TT

أدت الدبلوماسية الأميركية، المستندة الى عبارة واحدة، إلى حالة من الهدنة الهشة بين الهند وباكستان. وبإقناعها الرئيس برويز مشرف بأن يضيف عبارة «بشكل دائم» الى وعوده المتعلقة بوقف دعم العمليات الإرهابية عبر الحدود ضد الهند، تكون الولايات المتحدة قد منعت وقوع كارثة محتملة، وربما تكون قد مهدت الطريق لإعادة التخطيط الاستراتيجي في آسيا.

ويبدو ان التعريف الدقيق لما تعنيه عبارة بشكل دائم ـ والتي جاءت لتضع بشكل غير مباشر أمام الهند ضمانات ترغب فيها، من أجل التخفيف من وطأة تحريكها للقوات والأسلحة، والتي ما زالت تثير القلق ـ ما زال يمضي على قدم وساق. لكن نائب وزير الخارجية الأميركي، ريتشارد أرميتاج، تمكن من إقناع الرئيس مشرف بالتعبير عما يكفي من المؤشرات المتعلقة بتفكيك معسكرات الإرهاب في كشمير، من أجل السماح بتراجع الدولتين المتخاصمتين عن حافة المواجهة.

كانت دبلوماسية فعالة وإن تأخرت عن موعدها. فلو مارست واشنطن دورا أوضح وأكثر إلحاحا، خلال شهري مارس أو ابريل الماضيين، في إقناع مشرف بوقف التعامل المزدوج مع الإرهاب، لأمكن لها تجنب الأزمة بأسرها. ومن أجل أن تستمر الهدنة وتؤدي الى تخفيف أكبر لحدة التوتر، يتوجب على الولايات المتحدة أن تبقى على ارتباط وثيق بالمنطقة.

على أن الالتزامات الجديدة التي قدمها مشرف تبدو عظيمة الأهمية. وإذا ما أوفى بها، فسيكون القائد العسكري قد تخلى عن أكثر من مجرد إسلوب للقتل البشع غير المباشر. وسيكون قد ضحى بأكذوبة أساسية ظل هو وبلده يرددونها لأنفسهم بشأن كشمير، منذ أن استولى على السلطة في اكتوبر (تشرين الأول) من عام 1999. كانت الأكذوبة تدور حول احتمال تأثير الإرهاب في كشمير، والى حد كبير، على نتائج نزاعات باكستان المختلفة مع الهند. فليس أمام باكستان أي أمل منظور آخر لإقناع جارتها الأكبر والأكثر قوة ورخاء بإنهاء سيطرتها على ثلثي إقليم كشمير الذي تقطنه أغلبية مسلمة. وهكذا فقد تظاهر مشرف بأن لديه حلا للمشكلة، هو ذلك المكتوب بدماء قوات الاحتلال الهندية، كما تظاهرت باكستان بأنها تؤمن بذلك.

لكن العمليات الإرهابية ضد مليار مواطن تفتقد لقوة العمليات التي تمارس ضد بضعة ملايين من الإسرائيليين. كما لا يمكن المقارنة بين كشمير والقدس كهدف مأمول وعزيز على القلب. فما يهم الهند وباكستان هو ألا يسيطر الآخر على كشمير، وهوية كل منهما القومية مرتبطة بعدم السماح للخصم بالسيطرة على الإقليم. وهذا نزاع يبدو الى حد كبير مصطنعا ـ وبالتالي فإنه لا يستند الى مبرر ولا يبرر عنفا ـ كما هو شأن معظم قضايا الكفاح.

وبدون ما قد تصوره حرب إرهابية مؤثرة، فإن باكستان تقبل، ولو ضمنيا على الأقل، بالوضع القائم، الذي سيصبح تدريجيا محصلة نهائية: حدود دولية على طول خط المراقبة في كشمير.

لم يكن على أرميتاج التأكيد على المخاطر الآنية التي تعرض لها الجنرال مشرف، خلال اللقاء الذي جمعهما يوم 6 يونيو. فالولايات المتحدة كانت قد أبلغت مشرف بأنها قد لا تتمكن من منع الهنود من الهجوم إذا لم يعرض شيئا ما. وإن واشنطن لن تأتي لمساعدته إذا ما حدث ذلك. أما الصين، التي تسعى لتحسين علاقتها مع الهند، فقد أبلغت باكستان أيضا بأنها لن تتدخل إذا ما اندلعت الحرب.

واستنادا إلى هذه الصورة المعتمة فقد تبنى مشرف مقترح الولايات المتحدة الذي يشير الى ان تعهدا بوضع حد لأعمال التسلل التي باتت متواصلة خلال الأشهر الستة الماضية، وبشكل دائم، سيكون السبيل الوحيد لدفع الهنود للتراجع عن الهجوم. وهذا التحول الباكستاني أعلن ذلك اليوم ليس في إسلام أباد، أو في نيودلهي، وإنما في واشنطن، لتأكيد الدور الأميركي في ضمان تنفيذ الوعد.

العنصر الأساسي والجديد هنا هو قيام مشرف بإغلاق ما بين 50 الى 60 «معسكرا» حددها الهنود في كشمير، وهذه تتراوح بين مجموعة من الخيام في وسط الحقول وأحياء حضرية جيدة التنظيم يسيطر عليها إرهابيون. وها هو مشرف الآن قد التزم بتجفيف منابع شبكة الإرهاب التي كانت أجهزة مخابراته قد أوجدتها.

من جانبها، بثت الهند، بالمقابل، بضعة مؤشرات رمزية من أجل تخفيف حدة التوتر، على أن تقوم بالمزيد خلال شهر يوليو المقبل، إلى أن يتسنى تخفيض قواتها الموجودة في كشمير ، متى ما جرت الانتخابات المحلية المزمعة في أكتوبر المقبل بسلام. وكل هذا مرتبط بتنفيذ مشرف لوعوده، وبنجاته من عمل انتقامي ينفذه إسلاميون أصوليون في باكستان.

وهذا يعني ان هناك الكثير مما يوجب القلق على المدى القصير، لكن قبول الهند للدور الأميركي كوسيط نزيه في الأزمة يعد تحولا استراتيجيا يستحق تطويره.

ويبدو أن رئيس الوزراء الهندي، أتال بيهاري فاجبايي، قد تغلب على دعاة الحرب لديه، ليس لأنه يثق في مشرف بل لأنه يثق في جورج دبليو بوش. وهناك الآن فرصة تتمثل في الاستفادة من هذه الأزمة لتقييم عقود من انعدام الثقة المتبادلة بين واشنطن ونيودلهي، والتي جعلت البعض يخشى من استئناف بوش «ميول» الولايات المتحدة تجاه باكستان، وهو الموقف الذي ساد إبان الحرب الباردة. وتلك هي كامل الصورة التي يجب على الإدارة الأميركية ان تضعها نصب عينيها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»