اعتراف مشروط وسحب اعتراف عاجل

TT

دولة فلسطينية من دون مؤسسيها: هذه هي خلاصة خطاب جورج بوش الذي يدخل التاريخ على انه اول رئيس اميركي التزم قيام دولة فلسطينية، واول من قبل «بدولتين» فوق ارض فلسطين. واللوحة الغامضة التي طرحها جورج بوش للدولة العتيدة، فيها بعض الاشارات الواضحة. انها، قبل اي شيء، دولة يكون هيكلها الامني مجموعة من الترتيبات مع مصر والاردن، اللذين يمتدح ثباتهما في التزام معاهدتي السلام. وطبعاً ايضاً مع اسرائيل. «فالاستقلال» نفسه مرهون بهذه الترتيبات.

انها ليست فقط دولة «موقتة» بل هي كذلك دولة لا تقبل بها اميركا دولة دائمة الا بعد تحقيق عدد من الشروط: انتخاب قيادات جديدة (هذه السنة تحديداً) واقامة مؤسسات جديدة وانهاء الترتيبات الامنية الجديدة «مع جيرانها». والتعبير الاخير يعني ابقاء الزمام الامني في فلسطين تحت اشراف مباشر من دول الجوار. ولا ننسى دور اميركا في الامر. «فالولايات المتحدة تعكف على السعي الى تحقيق هذا الاصلاح، مع غيرها من الدول الاقليمية الرئيسية». اما الاشياء التي يتركها الرئيس الاميركي معلقة الى حينه فلا تفصيل لها: «علينا ايضاً حسم القضايا المتعلقة بالقدس ومحنة اللاجئين الفلسطينيين». اي ان القدس «قضايا» لا قضية وهي «محنة» اللاجئين لا «عودتهم». اي التعويض عليهم وتسوية اوضاعهم والبحث عن اوطان جديدة لهم.

يعتبر الخطاب، في جوهره، عملية نقد جارحة للسلطة الفلسطينية: فالركود الاقتصادي زاده «الفساد الرسمي سوءاً». و«القطاع الخاص النزيه» يحتاج الى التشجيع من «حكومة نزيهة». والشعب الفلسطيني «يفتقد اليوم المحاكم القانونية الفعالة». واليوم «تشجع السلطات (لم يستخدم كلمة سلطة) الفلسطينية الارهاب ولا تعارضه». واما «المجلس التشريعي فلا سلطة له وتتركز السلطة في ايدي نفر قليل لا يمكن محاسبته». والاصلاح يجب ان يكون «اكثر من مجرد تغيير شكلي او محاولة مغلفة للحفاظ على الوضع الراهن».

اذن، لن تؤيد اميركا الدولة العتيدة «ما لم تشن حرباً متواصلة على الارهاب وتدمِّر بنيته التحتية» في حين ان السلطة اليوم «تشجعه». ولا ذكر للرئيس ياسر عرفات بالاسم، لكنه حاضر في كل السطور كزعيم يجب ان يغيب عن الاطار الموعود، الذي هو اطار امني اولاً يخضع لاشراف «سلسلة من القيادات» بينها الاشراف الاميركي ايضاً. فكل شيء مشروط بالامن او مرتبط به. «ومع تقدمنا نحو الامن يتعين على القوات الاسرائيلية الانسحاب الكامل الى مواقعها قبل 28 سبتمبر (ايلول) 2000». واذا تحقق ذلك فان مجموعة كبرى من الدول سوف تساعد في رسم الاطار الدستوري وبناء الشفافية الاقتصادية: اميركا، الاتحاد الاوروبي، الدول العربية، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي «وشركاؤنا في العالم المتقدم».

القضايا المتعلقة بالتسوية النهائية، معلقة: القدس. المستوطنات. (يدعو الخطاب الى وقف الاستيطان لا الى الغائه) وحق العودة وكل شيء مربوط بالوقت، فاذا لم تتحقق الديموقراطية المثلى والشفافية التامة فلا دولة بل عقاب. وطبعاً لا عرفات. فالرجل الذي لم ترحله اسرائيل الغاه بوش من الوجود وجعله «لا شخص» كما كان يفعل السوفيات في معاقبة المعارضين. وبعد اقالة نيكيتا خروشوف لم يعرف الروس كيف عاش ولا كيف مات ولا اين، الا من زوجته التي كان يسمح لها بزيارة مدفنه.

حصاران على عرفات: اقامة جبرية في فلسطين، يعطي هو شيئاً منها للشيخ احمد ياسين، وسحب اعتراف دولي يتزعمه جورج بوش. اذ بعد سحب الاعتراف هذا من هي الدولة التي ستوقع عقداً او مساعدة مع الرئيس الفلسطيني الذي لا وجود له في سجلات البيت الابيض؟ اذن لا عرفات ولا مجلس النواب ولا الحكومة. لا وجود الآن لشيء يدعى السلطة الفلسطينية. ليس قبل ان «يعتنق الشعب الفلسطيني الديموقراطية» ويقبل مبدأ شارون في الامن والسلام والتسامح. وقد عنونت «يديعوت احرونوت» امس بأن بوش «انضم الى الليكود» وقالت «هآرتس» انه تبنى افكار شارون. انها البهجة عامة في عموم اسرائيل.