من يتبرع للسفير بدراجة وللبلد بالاستقرار؟

TT

يعرف عبد الله حسن السفير الصومالي في القاهرة انه ليس السياسي او رجل الدولة الوحيد في العالم الذي يركب دراجة من بيته الى مكتبه لكنه ربما يكون الوحيد في العالم الذي يفعلها لاسباب مالية، في حين ان البقية، مثل رئيس وزراء هولندا، يفعلونها حبا في الرياضة او حماية للبيئة.

ولا بد ان السفير يشعر بأن الحادث المروري الذي تعرض له وعائلته هو اقل المصائب التي أصيب بها بحكم كونه سفيرا لبلد مزقته الحروب والعصابات، وما حاله الا حال بلده التائه بين محاولات اعادة التوحد، وتثبيت السلطة المركزية، وجمع السلاح، والقضاء على الميليشيات، وانهاء تدخلات القبائل، والعودة للحياة الطبيعية المستقرة.

ولعلكم تتذكرون ان الصومال هذا كان حتى يوم قريب درة دول القرن الأفريقي حيث كانت الدول الكبرى تتبارى من اجل كسب وده او تتآمر لتغيير انظمته بحكم كونه يمسك بمفصل جغرافي مائي مهم في حسابات الحرب الباردة حينذاك. لكن منذ ان انطفأت تلك الحرب اصاب ذلك البلد ما اصاب افغانستان وغيرها من نقاط التصادم الشهيرة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ثم حدثت فجأة احداث جديدة، وصدق العرب عندما شاهدوا القوات الاميركية آنذاك تتوسط، او تتورط، في محاربة الانفصاليين، انها جاءت لان في البلد بترولاً مثل الكويت والا ما الذي أتى بهم الى هنا؟ وعلى عادة كتاب نظرية المؤامرة رددت المنطقة صدى تلك الاقوال وحملها ائمة المنابر في المساجد والصحف والتلفزيونات معتبرين المساعدة غزواً للصومال، الجار الشقيق!! ولم يطل بقاء الاميركيين حيث اكتشفوا ان تورطهم ضمن عملية لانهاء الحرب الاهلية من قبيل الدعاية السياسية آنذاك سموها بالأمل، صارت خرابا سريعا لم تثمر سوى مشاكل حيث ليس لهم في الصومال ناقة ولا جمل. فانسحبوا وبعدها نسي العرب الثائرون كل الصومال والصوماليين وتركت البلاد لحالها تعاني من حروب الميليشيات والقبائل والجوع والاوبئة.

ليس صعبا ان نفهم كيف آل الأمر الى درجة ان سفير الصومال في القاهرة،العاصمة المهمة سياسيا للصومال حيث تجري على ارضها المفاوضات، لا يملك سيارة ولا مالا لاستئجار سيارة بديلة لسيارته المعطوبة. هذا هو حال بلاده حيث يوجد اناس لا يملكون وجبة يومهم، وهذا هو ايضا حال السياسة العربية في تعاملها مع القضايا من منظور الشك والكراهية للغير وحب المواجهة وليس من منطلق الواقعية وحب المساعدة لله في الله. تعرفون أن النظريات موجودة في سوقنا بوفرة حول الحرب والمواجهة لكن لا احد مستعد لأن يضحي بابنه او ماله من اجل اثباتها، كلهم مستعدون للتضحية بابناء الجيران واموال الكرماء منهم. لا احد يهتم بالصومال الا اذا اهتم الاميركيون به لترتفع فجأة هتافات تطالب بانقاذ الصومال وتعتبره فريضة على كل مواطن، اي ان الصومال والصوماليين بلا عدو لا قيمة لهم بل يتركون لحالهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم.