الخطة الأميركية لضرب العراق مجرد تسريبات

TT

وصف مصدر اميركي وثيق الصلة بوزارة الدفاع الاميركية ان ما نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الخامس من هذا الشهر حول خطة اميركية ضد العراق تتضمن الهجوم من ثلاثة جوانب، بانه تسريب من وزارة الخارجية الاميركية، ويدل على ان طرفا في الادارة الاميركية لا يريد اي عمل ضد العراق، «ففي تقرير «النيويورك تايمز» ما يوحي بان هناك الكثير من العقبات وان الخطط العسكرية غير خلاقة، كما تتضمن ما يمكن تسميته بـ«التفاصيل العملية»، وهذا امر غير شرعي».

ويشير المصدر الى «خربطة» في موضوع العراق، مثل ما يجري بين الامم المتحدة والعراق ومسألة عودة المفتشين الدوليين، «مع العلم انهم غير عائدين، انما المفاوضات تظهر وكأن صدام حسين يرغب في اعادتهم، ثم حصلت التسريبات عبر «النيويورك تايمز»، فبدا وكأن كل التطورات توفر له الفرص للتلاعب على الظروف والوقت».

ويقول المصدر، انه يمكن وجود خطة ويمكن انه لا توجد خطة لغزو العراق حاليا، والكلام الجاري عنها في العموميات انما من دون تفاصيل، «لهذا، هناك في الادارة من يريد التشكيك في الخطة، ولا ادري اذا كان هناك تحقيق لمعرفة من يسرب مثل هذه المعلومات». ويلفت الى وجود بعض الخلافات في الحكومة الاميركية، ويستشهد بما نشرته صحيفة «الصانداي تلغراف» عن كولن باول وخلافه مع الصقور في البنتاغون وقوله: «لن اسمح لاولاد.. باخراجي من الحكومة». وللتأكيد على الخلافات في الحكومة الاميركية يذكّر المصدر بالتقارير الصحفية التي سبقت كلمة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش المتعلقة بالصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. ثم جاءت الكلمة مختلفة تماما عن كل التوقعات، ولحقت بها بعض التسريبات القائلة ان الرئيس الاميركي غيّر رأيه بياسر عرفات في اللحظة الاخيرة بسبب العشرين الف دولار. المصدر الاميركي ينفي بشدة هذا الامر ويقول ان الرئيس كان اتخذ قراره الحاسم قبل هذا، ولم تؤثر مسألة صرف عرفات 20 الف دولار، ويقول ان باول في اليوم التالي للخطاب قال، اذا اعاد الفلسطينيون انتخاب عرفات سنتكلم معه، ثم غير رأيه مباشرة، لانه أُبلغ ان الرئيس اتخذ قراره ولم يتراجع.

ويعود محدّثي الى القول، ان التسريبات عن خطة لضرب العراق تشير الى عدم رغبة البعض في القيام بأي عمل ضد العراق، وربما انها تستهدف احراج البنتاغون انما ايضا للتشكيك بتصميم الرئيس ولجعل الناس يتساءلون عما ينوي عمله ومتى؟

واسأل محدّثي عن استقالة الجنرال داوننغ من البيت الابيض حيث قيل ان السبب هو رفض الرئيس الخطة التي وضعها الجنرال لغزو العراق؟ فأوضح، ان داوننغ كان، بعد تقاعده، مستشارا للمؤتمر الوطني العراقي، لكن كانت مهمته في البيت الابيض، مواجهة الارهاب، «كان رجل العراق ودعم احمد الجلبي، ويجب الحذر من التقارير الصحفية التي عزت اسباب استقالته الى خطة عسكرية ضد العراق، فتلك لم تكن مهمته، واستقالته يجب ربطها بنجاحه او عدم نجاحه في نصح الرئيس بالنسبة الى مكافحة الارهاب». من ناحية اخرى نشرت صحيفة «الاوبزرفر» يوم الاحد الماضي ونقلا عن منشقين عراقيين في عمان، انه وصل الاردن المئات من المستشارين العسكريين الاميركيين تحضيرا لهجوم اميركي ضد العراق عبر الاردن، وردا على ذلك، قال المصدر المقرب من وزارة الدفاع الاميركية: «ايا كان قائل هذا الكلام، فهو كاذب». ونفى وجود قوات خاصة اميركية في الاردن، انما هناك «بعض الاميركيين، ونقوم بعمليات دائمة مع الاردنيين، وبتمرينات، حتى الاسرائيليون يسألوننا اذا كنا سنتوجه من هناك الى العراق، ونجيبهم كلا، وهذا هو الواقع الآن، ان لنا طائراتنا هناك لكنها تنطلق نحو افغانستان. ولا اعتقد ان الناس يجب ان ينقادوا الى فكرة المؤامرة، وكأن شيئا يحدث، كلا لا يحدث شيء حتى الان»! ويؤكد المصدر الاميركي وجود اميركيين هناك، وعددهم ليس بالمئات، انما هم موجودون، ويضيف: ان للاردن وضعا خاصا مع العراق، هناك علاقاته وهناك حوالي 400 الف عراقي يعيشون في الاردن، وبالتالي فان الاميركيين يدركون حساسية الموقف الاردني.

في لندن، نفى الامير حسن بن طلال ولي العهد الاردني السابق ان يكون موقف الاردن تغير بالنسبة الى العراق، انما اكد ان الاردن لن يكون شريكا غير فعال في اي عمل يتعلق بالعراق، حول هذا قال المصدر الاميركي انه يستبعد ان يكون الاردن الدولة الرئيسية في عملية ضد العراق، وتساءل عن عدد الجيش الاردني وقال، ان ربع الجيش الاردني تقريبا يعمل في قوات حفظ السلام، «انهم ممددون، هم ودودون معنا، ونتعامل معهم باستمرار، انما اذا تعمقنا في توجه العواطف الاردنية، ندرك ان دورا رئيسيا للاردن في عمل ضد العراق مستبعد اذ ستكون هناك انتفاضة الخبز كما حصل في معان».

وكانت صحيفة «الاوبزرفر» قالت ان الرئيس الاميركي التقى العاهل الاردني الملك عبد الله خمس مرات حتى الآن، وان الاردن موعود بمبلغ 500 مليون دولار ويدرس الكونغرس اقرار 100 مليون دولار اضافي له، ويوضح المصدر الاميركي ان الاردن حصل هذا العام على مبلغ 75 مليون دولار حتى قبل عمليات 11 ايلول (سبتمبر) وحصل على مبلغ آخر اضافي وينتظر آخر ما زال معلقا في الكونغرس الذي سيقرر بشأنه الاسبوع المقبل، اما العام المقبل فان الاردن سيحصل على 198 مليون دولار (ليس 500 مليون دولار)، انما جزء من هذا يتضمن بيع الاردن بعض المعدات العسكرية «لكن ليس لقصف بغداد لانه لا يمكن الحصول عن الكثير من الاسلحة بمبلغ 198 مليون دولار».

ويقول المصدر الاميركي، ان من الخطأ الاعتقاد بان الاردن سيكون نقطة الانطلاق لعملية ضد العراق، بغض النظر عن عواطف الملك او مشاكله.

واسأل محدّثي عن احتمال ان يكون الاردن واحدا من الدول الثلاث التي قد تنطلق منها العملية ضد العراق، فيجيب: «ان الاردن دولة صديقة، ولا اعرف ماذا يضع المخططون العسكريون. وقد يكون الاردن ملائما جدا لاسقاط صواريخ السكود مثلا وبأن تكون هناك قوة عسكرية مهمة، لكن الاردن مكشوف واي تحرك سيعلم به صدام حسين قدرا، ووصول اي قوة اميركية يحرج الملك طبعا، لذلك لا يمكن اعتبار الاردن نقطة انطلاق رئيسية اطلاقا».

ولكن، هل يمكن للاردن ان يقوم بدور داعم لاي عملية ضد العراق؟ يقول المصدر، انه من المؤكد ان موقف الاردن سيكون مختلفا عن عام 1991، لانه الآن اكثر انفتاحا على الغرب اضافة الى اتفاقية السلام بينه وبين اسرائيل، ثم هناك ديناميكية اقليمية مختلفة تماما، ورغم ان الاردن صنّف نفسه الآن الى جانب الغرب تبقى هناك عدة اسباب مالية وداخلية دفعته الى اتخاذ هذا الموقف.

ويُبرز المصدر الفارق بين ما كان يفكر به الملك حسين والامير حسن بان يكون للاردن نفوذ اقليمي ابعد من حدود الاردن، وبين الملك عبد الله الذي، منذ تسلمه السلطة، ابتعد عن ذلك الخط، رغم انه يرفض كل ما يمثله صدام حسين، «ولذلك وصل حتى اليابان من اجل الغاء الديون، كما انه يركز على الشؤون الاقتصادية الصعبة». ويشير المصدر الى الاجراءات التي اتخذها الاردن وتتعلق بصناعة الادوية حيث التزم بكل بنود وقرارات منظمة التجارة العالمية، وقد بدأ يخسر اموالا لانه لم يعد يغش، ولم تعد صناعة الادوية احدى اكبر الصناعات فيه، الا ان الاردن ارتضى الضرر على المدى القصير مقابل ان يصبح اقتصاده مثل اقتصاد الغرب على المدى البعيد، «وهذا قرار مهم جدا». ويقول المصدر ان الاردن هو البلد العربي الوحيد الذي يوفر المساعدة عبر ارسال قواته الى افغانستان للمساهمة في العمليات الاميركية هناك، «صحيح ان الدول العربية الحليفة تدعم، انما الاردن هو الوحيد الذي ارسل قوات».

اما عن العملية العسكرية ضد العراق، في حال وقوعها، فيقول المصدر الاميركي: «لنراجع ما حصل في المرة الاولى انما مع بعض التعديلات، واستبعد لجوء اميركا الى نصف مليون جندي، انما اقل بكثير وربما 30 الفاً فقط».