الاستعداد للعراق

TT

تقوم بريطانيا هذه الأيام بسحب قواتها من أفغانستان وكوسوفو، بينما تقوم الولايات المتحدة بتخفيض عدد جنودها في أفغانستان والبوسنة وتعيد توزيع قواتها الموجودة في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. في الوقت نفسه، تهيئ بولندا والمجر العضوان الجديدان في الحلف الأطلسي وحدات جديدة للمشاركة في عمليات لم تحدد بعد.

ماذا يعني كل ذلك؟ قد يكون أسهل جواب عن هذا السؤال هو أن ما يجري ليس سوى قرارات روتينية تتخذها البلدان المعنية، لكن أولئك الذين يفضلون أجوبة معقدة قد يشيرون إلى التدخل العسكري، المختفي وراء الأفق، ضد العراق.

هذا الانطباع تم تعزيزه عبر عدة نشاطات في الفترة الأخيرة، وتشمل الاجتماع الذي جرى في لندن خلال نهاية الأسبوع الماضي لعدد كبير من الضباط العراقيين المقيمين في المنفى، ونشر مسودة دستور مستقبلي للعراق، والزيارات التي يقوم بها الزعماء الأكراد لعواصم المنطقة، وصدور عدد من التصريحات المرتبة بعناية شديدة، وتسريب معلومات على جانبي المحيط الأطلسي عن حوار يدور بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول موضوع الهجوم على العراق.

هل أصبح ذلك التدخل العسكري أمرا لا يمكن تجنبه؟ نحن ننفي ذلك، فكل ما يبدو في الأفق هو دق طبول الحرب أكثر فأكثر، لكن الحاجة إلى هذا الدق لا تذهب وراء فرض ضغط إضافي على بغداد كي تقبل بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين.

إذ ليس من شك أن على العراق الالتزام بتنفيذ كل تعهداته التي وافق عليها كجزء من شروط وقف إطلاق النار عام 1991، والالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

من جانب آخر، ظلت بغداد حريصة على الإساءة للأمم المتحدة وإذلالها من أجل الادعاء بتحقيق نصر دبلوماسي قادر على أن يعوض عن جزء من الندوب التي تركتها الخسارة العسكرية في حرب 1991 على المؤسسة الحاكمة. هذه استراتيجية خطيرة ومدمرة في آن واحد، إذ قد يؤدي السماح للعراق بتحدي المجتمع الدولي إلى تقويض النظام العالمي الهش ككل.

مع ذلك، فالجواب عن الوضع هو ليس عن طريق التحجج بأي ذريعة للقيام بمهاجمة العراق، مع الإعلان بشكل صريح عن نية إسقاط النظام كهدف مركزي لهذا الهجوم.

يجب استثمار كل الإمكانيات المتوفرة لإقناع العراق، عبر القنوات الدبلوماسية، بالتخلي عن سياسته الحالية في التحدي. فعلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية وروسيا أن تشارك في بذل جهود مشتركة وحثيثة لإقناع القيادة العراقية بالتراجع عن الهاوية.

لذا يجب أن يتأكد المجتمع الدولي أولا، وبشكل واضح، من أن العراق غير مستعد لتنفيذ تعهداته، كي يبدأ بالتفكير في استخدام القوة. بل حتى آنذاك، يجب عدم التعامل مع قرار إشعال حرب في المنطقة بلا مبالاة.