عرب ـ xp و«طابعة فريدمان»

TT

لا يخلو يوم من شكوى عربية تقول ان الغرب يشوه وعن عمد حضارتنا وقيمنا الدينية، وأداة هذا التشويه كتاب مثل توماس فريدمان، ولكن الحقيقة هي ان لوم الآخر لا ينفي المسؤولية عن العرب. وفي مغامرة على مستوى الفكرة والخيال والمصطلحات سأحاول تقديم تفسير رقمي مبسط لحالة الارتباك الفكري السائدة بين العرب والغرب، وهي في ذات الوقت محاولة للتواصل مع جيل الكومبيوتر من الشباب العربي، وسأركز في هذا المقال على موضوعين اساسيين هما الاسلام والعروبة ولماذا يصلان الى الغرب بصورة مشوهة ومن المسؤول عن هذا التشويه. ولتوضيح هذا الأمر المعقد سأستخدم تقنية الكومبيوتر والتواصل المعلوماتي كمثال يزيل الغشاوة من على أعيننا حتى نرى الأمر على حقيقته.

معضلة هذا المقال هو انه كتابة على مستوى آخر من الوعي حيث ان السياسي لا يدري كثيرا عن لغة الكومبيوتر كما ان اهل الكومبيوتر نادرا ما يهتمون بالسياسة.

1 ـ الإسلام والغرب: مشكلة العتاد (Hardware)؟

كمسلم أعرف ان الاسلام كدين هو كل متكامل صالح لكل زمان ومكان ـ شريطة ان يكون الاسلام كله محملا في رأس المسلم وقلبه كما نحمل نظام الوندوز xp في جهاز الكومبيوتر ولكن حقيقة الأمر هي ان هناك قليلا من المسلمين لديهم كل تعاليم الاسلام الممثلة في «حسن المعاملة» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وكل القيم الجميلة التي يتقبلها الانسان في اي مكان على انها قيم أساسها المساواة والعدل والرحمة، ولكن تحميل هذا النظام المتكامل في حالتنا الآن به مشاكل كثيرة تسبب ارتباكا لنا في الداخل كما تؤدي الى سوء فهم في الخارج، فترى ما هي هذه المشاكل اذا ما تخيلنا الآن العربي المسلم على انه جهاز كمبيوتر؟

أ ـ المشكلة الأولى هي ان معظمنا يظن انه مسلم كامل برأسه كل البرنامج ولكن الحقيقة اننا محملون بنسخة ناقصة ومحدودة القدرات او نسخة منزلية كالتي يسميها اهل الكومبيوتر بالنسخة «الديمو» وهي نسخة ناقصة لكثير من الخصائص الأساسية، لذلك عندما نحاول التواصل مع الغرب كما يرسل الكومبيوتر ملفا الى الطابعة، نجد ان كل ما يصل الغرب هو رسائل عن الجهاد والحجاب والولاء والبراء وقتال المشركين، ولكن بعض الغربيين المتخصصين يعرفون ان الاسلام دين رحمة وسماحة وتعايش ويستغربون عندما تصلهم رسائل الجهاد والقتال ولا يعلمون ان جماعتنا محملون بنسخ «ديمو» لا تحتوي على خصائص الرحمة والتواد وخصائص التعايش مع الآخرين.

والمشكلة الاكبر من ذلك هي اننا نحن لا نعرف اننا حملنا في عقولنا نسخا اما ناقصة او مقرصنة او مشوهة لا تستطيع التعرف على الآخر او التواصل معه.

ب ـ كيف حملنا نسخا ناقصة لديننا الحنيف وظننا انها كاملة؟ ربما هناك اكثر من تفسير لهذه المشكلة. التفسير الأول يرجع الى ان مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية، والمناطة بها تعليم ابنائنا قيم الاسلام الصحيحة (المساوية للنظام الكامل والأصلي في الكومبيوتر) نجدها في كثير من الاحيان تصب في عقول النشء البرامج المقرصنة والناقصة او الديمو، وتتفاقم الأزمة اذا ما عرفنا ان النسخة المقرصنة غالبا لا تحتوي على ملفات حفظ حقوق الآخرين.

وقد ترسل طفلك الى المدرسة أملا ان تحمله بالنسخة الأصلية الكاملة لقيم العروبة والاسلام، فتجد انهم وضعوا في رأس الطفل إما النسخة الناقصة (demo) أو احيانا يضعون في رأسه نسخة مشوهة ومقرصنة جهادية لا تستطيع التعامل (Interface) مع العالم الخارجي او العتاد الآخر في لغة الكومبيوتر مثل الشاشة والطابعة والمودم، اي ان الاجهزة الأخرى لم يتم التعرف عليها في اجهزة التشغيل، والمؤسسات التعليمية من المدرسة والأسرة هي المقابل للوصلات (drivers) في الكومبيوتر، هذه الوصلات قد تكون معطلة او غير قادرة على التعرف على العتاد الآخر، لذا يظن العرب انهم يوصلون الى العالم رسالة الاسلام الرحيمة، ولكن الحقيقة ان هذه الوصلات اما لا تستطيع التوصيل الى الطابعة الغربية (طابعة فريدمان) او تعطيها رسالة (جهاد وقتال ـ ولاء وبراء ـ كونفرجرايشن ـ سلفي ـ بن لادن ـ ديمو)، ولو حدث ذلك في الكومبيوتر لكان الحل هو (اعادة فورمات).

طبعا لو كان الاسلام محملا كاملا كما نحمل الوندوز xp في جهاز الكومبيوتر عند استخدامه سنجده يتعرف على الاجهزة الملحقة اوتوماتيكيا، ولكن الحقيقة هي ان مدارسنا تحمل الكثيرين منا إما بنسخة ديمو، او نسخة مقرصنة من قبل الجهاديين والجماعات المارقة، او في احسن الاحوال نسخة شيعية مرة ونسخة سنية مرة اخرى لا تستطيع التعاطي لا مع الداخل ولا مع الخارج، ذلك لانها تفشل في التعرف على التقوى في الداخل او على الديانات الأخرى في الخارج، واذا أخذنا حالة الجماعات الاسلامية او حزب التحرير فانت تراهم يبيعون نسخة تقي الدين النبهاني والمودودي على انها النسخة الأصلية الكاملة xp رغم انها نسخة ديمو ناقصة غير متوافقة مع نظام التشغيل الغربي كله، لذلك تطبع عندهم رسائل (الجهاد والقتال) ولا تطبع اي شيء عن الرحمة والميزات الاسلامية الأخرى.

وما ينطبق على الاسلام، ينسحب على عادات وتقاليد العرب، فالنظام الكامل لعادات وتقاليد العرب يحمل قيما سامية مثل الكرم والشهامة والمروءة وعدم الخيانة، ولكن البرنامج الناقص الذي يصل الى الغرب هو برنامج جرائم الشرف والغدر والخيانة.

في ظل هذه الحالة التي تصل رسائلنا فيها الى طابعة الغرب كتشويه لديننا وعاداتنا، ترى ما هو العمل لحل هذه الأزمة؟

الحل هو اننا نتعامل مع الوضع بشكل رقمي وديجتال كما يتعامل الكومبيوتر مع الأجهزة الأخرى، ذلك يعني ان نأخذ رسالة فريدمان لنا او اي كاتب من الغرب ليس على انها رسالة نقد، ولكن على انها (error message) او خطأ في التشغيل، تقول لنا ان ما يصل الغرب هو ليس البرنامج الكامل، رسالة تقول لنا بوضوح «يا جماعة انتم ارسلتم لنا نسخة ديمو ناقصة ومبتورة عن الاسلام والعروبة».

وككل المصدرين والبائعين للنسخ المقرصنة والناقصة والذين يهمهم الربح فقط بدل الاعتراف بأنهم ارسلوا نسخا مقرصنة يصرون على انها النسخة الأصلية وليس لدينا غير ذلك، وبذلك نؤكد لهم ان النسخة المشوهة هي النسخة التي أرسلناها، وهي بالفعل الرسالة التي يرسلها كثيرون منا للغرب، اما البقية العاقلة فهي تقول للغرب ان النسخة المسوقة عندهم عن الاسلام والعروبة هي نسخة مشوهة لذا يجب عليهم تحميل النسخة الأصلية الكاملة xp والتي تتعامل مع النظم الأخرى اوتوماتيكيا وباللغات المختلفة، ولكن هذه النسخة من قيم الاسلام وخير عادات العرب غير موجودة في مدارسنا (drivers)، فهي موجودة لدى القلة العاقلة.

إذن المطلوب هو: (1) التأكد من ان النظام كله محمل على الكومبيوتر، (2) ان التوصيلات من مدارس وغيره المقابلة للدرايفرز في حالة الكومبيوتر تعمل وبشكل جيد، وان لم يكن الأمر كذلك فانه يجب علينا تحديث او ترقية نظام التشغيل، وهذا يتطلب عملية معقدة من الاضافة والحذف او اعادة تحميل كل ذلك في العقل العربي الحديث كي يصبح عقلا xp بدلا من كونه على حالته الحالية التي ترسل رسائل للعالم فتصل بعكس مضمونها. في بعض البلدان العربية والاسلامية الأمر يتطلب اكثر من ذلك، قد يفرض الانتقال من حالة الانالوج الى حالة الديجتال الرقمية ومن حالة الأسلاك القديمة الى حالة الفايبر اوبتك.

ان الذين يلومون توماس فريدمان وكتاب الغرب الاخرين على ان طابعته لا تنسخ إلا ملفات سيئة عن العرب والمسلمين، لا بد ان يتأكدوا انهم ارسلوا للعالم النظام الكامل وليس النسخة المشوهة. انها ليست مشكلة فريدمان.. المشكلة هي اننا لا نستطيع ان نرسل له رسائل سليمة، لأن طابعته تطبع ما نرسل له او تطبع حسب النسخة الناقصة وهي مسؤوليتنا في المقام الأول وليست مسؤولية فريدمان. وليت العرب لهم مشكلة مع النظام الاميركي فقط ولكن الواضح الآن هو ان النظام العربي لديه مشاكله مع النظام الكوني كله، بالاضافة الى مشاكلهم مع انفسهم (الحل: اغلق الجهاز واعد تحميله من جديد).

هذه محاولة رقمية لتوضيح الشأن السياسي وعلاقة العرب بالغرب وحدود مسؤوليتهم، وهذا المقال مكتوب للعرب الذين لديهم البرنامج الكامل xp من العروبة والاسلام، اما الذين يعملون حسب النسخة المشوهة او المقرصنة، (الجهاد ـ بن لادن ـ تكفير) فانصحهم اما بتجاهل هذا المقال او ان يحدثوا عقولهم ويرتقوا بها الى مستوى xp.

واذكر كلا من العرب والغرب ان المشكلة ليست في الاسلام والعروبة (السوفت وير) ولكنها مشكلة (الهاردوير) ومشكلة كتيبات التشغيل المتداولة حاليا.