الشمولية

TT

هذا هو العامل الثالث الذي تحاشى معالجته الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والذي كان له دوره في كبح التطور الديمقراطي وعرقلة النمو الاقتصادي. ومما يذكر بشأنه هو انه هو الآخر ارتبط بالمسألة الفلسطينية. فتأييد الغرب لاسرائيل وجه انظار العرب الى الكتلة الشيوعية، عملا بفكرة عدو عدوي صديقي. بدأ هذا التحول عمليا بتمويل السد العالي ثم صفقة الاسلحة التشيكية واخيرا بانفصال سوريا عن مصر. دخل في ذهن عبد الناصر ان الرجعية العربية هي التي خططت وعملت على هذا الانفصال فتحول آيديولوجيا الى الاشتراكية. دخلت الدول العربية الثورية التي كانت تقود العالم العربي ـ مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا والجزائر في دائرة النفوذ الاشتراكي. لم تأخذ هذه الدول اشتراكيتها من دول معتدلة ديمقراطيا كالسويد وبريطانيا، وإنما من دول المنظومة الشيوعية. انسجم هذا الخيار مع معاداة العالم الغربي ومع التراث العربي السلطوي. بدأت حركة التأميم الواسعة والتوجيه المركزي للاقتصاد والهيمنة الشمولية للدولة على كل نشاطات البلاد والأفراد. لا بد من الاعتراف بأن هذا الاتجاه كان في الواقع جزءا من حركة واسعة في العالم الثالث حيث ساد الاعتقاد بأن الاصلاح والتطور السريع يتطلب تدخل الدولة.

صب هذا الاتجاه في محصلة الحكم الدكتاتوري. ولما كانت المنظومة الشيوعية هي القائدة في هذا الميدان فلم تقتصر مساعداتها ومساهماتها على القطاعات العسكرية والصناعية وانما امتدت حتى الى تدريب المخابرات على اساليب القمع والتجسس على المواطنين وغسل ادمغتهم. يتطلب التنظيم الاقتصادي للبلاد كوادر كبيرة من الموظفين والاداريين المخلصين والنزيهين ومن الخبراء المؤهلين والكفوئين. وهذا عنصر نادر في العالم الثالث. أسندت اصعب شؤون البلاد الى عساكر ليس لهم أي معرفة اختصاصية في الموضوع. وبين الموظفين تعاظم تراث الرشوات والاختلاسات والسرقات في كل الميادين. كانت اللبرالية من اهم العوامل التي صانت الخدمة المدنية في بريطانيا من الرشوة والتفسخ. فعندما لا يحتاج التاجر او الصناعي الى اجازة من احد، لا يضطر لدفع رشوة لأحد. اصبح على المصري او العراقي ان يدفع رشوة لمجرد السفر من بلده او حتى في داخل بلده. ساعد على هذا الاتجاه توفر الثروات النفطية. اصبح الكيس بيد الدولة، واصبح المواطن يعول على مكرماتها في كسب معيشته والقيام بأي شيء يدر عليه بالنفع. لم تعتمد التنمية على جهود المواطن وذكائه كما حصل في الغرب، بل على ما تفعله السلطة المركزية. ساهم هذا الاتجاه الشمولي في قمع التطور الديمقراطي واشاعة روح الاتكالية والتضخم الاداري وانتشار الفساد والتعويل على المركزية وهروب الرساميل الوطنية الى الخارج بدلا من استثمارها في الداخل، واخيرا الى هروب حتى الثروة البشرية المتمثلة بالخبراء واصحاب المهن والمؤهلات. باجتماع هذه العوامل الثلاثة، التراث والمسألة الفلسطينية واعتماد الشمولية، تعثرت التنمية والتطور واصبحنا اضحوكة بيد الأمم.