المهم معرفة الخطوة التالية

TT

بخلاف العادة تتسم التقارير والتخمينات الآتية خلال الساعات الـ24 الفائتة من الاراضي الفلسطينية المحتلة، بـ«التبريد» والتفاؤل. والواقع ان الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بحاجة الى الخروج من دوامة العنف ولو لفترة قصيرة تجري فيها عبر سياج الصراع المحموم، محاسبة مدروسة ويتاح فيها للفريقين التفكير بهدوء.

قد تبدو هذه الكلمات وكأنها صادرة عن وسيط دولي على مسافة واحدة من الفريقين. ولكن لا يحق لأحد ان يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، وفي الاراضي المحتلة حالة صارخة من العدوان ضحيتها الفلسطينيون شعباً وسلطة ومستقبلاً وحقوقاً. مع هذا من الضروري ان يفهم الشارع الفلسطيني، الذي يتعرض لضغوط وتعديات غير مسبوقة، طبيعة الخيارات المتبقية له وشكل رد الفعل الذي من حقه اختياره. ومن الضروري ايضاً ان يفهم الشارع الاسرائيلي الى اين يقوده جنرالاته ومستعمروه وغلاة التطرف في ظهرانيه. ان الهجمات الفدائية، سواء اعتبرت «انتحارية» أم «استشهادية»، تعبر اصدق تعبير عن مدى الاحباط واليأس الذي دفع ظلم الاحتلال شعباً بكامله الى المساواة بلا تردد بين الحياة والموت. وهذه رسالة كان من المفترض لولا التعتيم الاعلامي والحقن والتحريض والاجراءات التصعيدية، ان تصل الى الشارع الاسرائيلي فيدرك خطورة ما يحيط به. لكن آرييل شارون ومناصريه ارتأوا ان اي محاسبة شعبية لهم قد لا تكون في صالحهم إذا ما اتيح لمواطنيهم قراءة مجريات الامور بعيداً عن هواجس اللحظة. وبالتالي لم يترددوا في خيار التصعيد والاستدراج. وحتى الآن يجوز القول ان خيار التصعيد «والهروب الى الامام» نفع الجنرالات وتيار التطرف مرحلياً. التبريد الموعود اليوم يأتي في وقت حرج للغاية. فمصادر رفيعة في السلطة الفلسطينية تتحدث عن وضع معيشي صعب جداً في الضفة والقطاع، والاحوال في الجانب الاسرائيلي على عدد من الاصعدة الاقتصادية سيئة جداً وان كانت بالطبع اقل سوءاً من حال الفلسطينيين المحاصرين المقموعين. ولعل هذا بالذات ما دفع حتى غلاة التطرف، بالتفكير بشيء من التراخي وتخفيف اجراءات القمع لأن مجتمعاً كالمجتمع الاسرائيلي لا يستطيع ان يعيش «حالة طوارئ» الى ما لا نهاية. مع هذا على الفريق الفلسطيني، رغم كل الضغوط المعيشية والامنية والسياسية التي يتعرض لها، ألا يخطئ الحسابات من جديد. عليه ان يتعلم من تجربة الماضي القريب التي كانت أليمة، والتي تكشفت فيها جملة من الحقائق السيئة المطلوب استيعابها والتأقلم معها، من دون الاستسلام لها. وبداية الطريق نحو النجاح تكمن في المصارحة والوضوح حول الثوابت. مصارحة المواطن، والوضوح مع الاشقاء والاصدقاء... وحتى مع الاعداء.