انفصال الجنوب السوداني؟

TT

اثار الاتفاق الذي ابرمته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة القائد الجنوبي جون قرنق، جدلا وترقبا على الصعيد الاقليمي وبين المعارضة الشمالية، اكثر من الترحيب بما سمي بروتوكول تفاهم يعد الاول من نوعه قد يؤدي الى انهاء الحرب الدائرة في الجنوب السوداني والتي استمرت نحو 20 عاما راح ضحيتها مليوني شخص سواء في القتال او المجاعات والكوارث، ذلك بخلاف الآثار المدمرة اقتصاديا ومعيشيا على حياة كل السودانيين شمالا وجنوبا.

اقليميا الواضح انه رغم الارتياح لأي حل يوقف هذه الحرب العبثية بما يعيد السلام الى السودان، فان النقطة المتعلقة بالفترة الانتقالية لمدة 6سنوات والتي نص الاتفاق على ان يجري في نهايتها استفتاء على حق تقرير المصير في الجنوب، ليختار الجنوبيون بين استمرار الوحدة او الانفصال، هي النقطة التي تثير قلقا اقليميا، ومن المرجح ان تكون السبب في الصمت المصري الرسمي حتى الآن في الاعلان عن موقف من الاتفاق لحين الحصول على معلومات اكثر تفصيلية عما دار في المباحثات باعتبار ان القاهرة اكثر طرف معني على الصعيد الاقليمي من زاوية المصلحة والامن القومي لها. على صعيد المعارضة الشمالية، فان ردود الفعل الصادرة حتى الآن تعكس، هي الاخرى، تحفظا مفهوما لان الاتفاق تجاوز طرحها السياسي الذي كان يحاول حل كل المشاكل في حزمة واحدة تتعلق بالشمال والجنوب وتطبيق الديمقراطية على الجميع، كما تجاوز المبادرة المصرية ـ الليبية التي كانت تحاول ايجاد حل في ظل سودان موحد، وان لم تكن لها آليات واضحة.

عمليا فان الاتفاق يمنح فترة 6 سنوات انتقالية كاملة اذا احسن استغلالها فانه يمكن طمأنة الجنوب الى ان مصلحته في البقاء تحت سودان موحد، لكن ميراث الصراع منذ استقلال السودان وخاصة في العقدين الاخيرين، لا يوحي بأن المسار سيسير كما يشتهي المتفائلون، فالتقسيم حادث على الارض منذ سنوات والحكومة المركزية لا سلطة لها على الارض في الكثير من مناطق الجنوب، بينما السياسات التي اتبعت على مدار سنوات في محاولة فرض الحل بالقوة العسكرية وتطبيق الشريعة على الجنوبيين واعتبار الحرب هناك جهادا وحشد الدبابين الى آخر هذه المصطلحات التي خرجت خاصة في فترة وجود الترابي في السلطة، خلفت إرثا وتراكمات نتيجتها واضحة منذ سنوات، وهي انفصال الجنوب السوداني، وهو سيكون حصاد ما جرى حرثه.

وحتى الحل المقترح يفترض التقسيم من خلال ايجاد اكثر من دستور ونظام داخل الدولة الواحدة وتطبيق نظام الشريعة في الشمال وعدم تطبيقه في الجنوب، لان التوحيد يقتضي ان يكون الدستور واحدا ويراعي مصالح كل فئات الشعب السوداني حتى يمكن تطبيقه بشكل يحترم التعددية الدينية سواء في الشمال او الجنوب، ويجعل حقوق وواجبات المواطنة واحدة، فالدول تضع دساتيرها وقوانينها في اطار مصالحها وظروفها وبما يحافظ على امنها وليس وفق هوى بعض المهووسين الذين طرحوا منذ سنوات فكرة التخلي عن الجنوب حتى يستطيعوا إحكام قبضتهم على رقبة الشمال.

ويجب ان يكون هناك تفكير عملي لدى الاطراف المعنية عربيا وخاصة في مصر، حول المستقبل اذا نشأت دولة اخرى في الجنوب، وكيفية ترتيب المصالح مع هذه الدولة الجديدة لو قامت.