آن للعراق أن يستريح

TT

أن تُقصف مدينة غزة الفلسطينية بوحشية غير عادية وبعشوائية مقصودة الغرض منها ترويع النساء والاطفال والشيوخ في ظل التهديدات المتصاعدة بابعاد عوائل الاستشهاديين ونفيهم من ارضهم ووطنهم، وفضاءات تذكر بحملات الابادة العرقية على الطريقة النازية وفي ظل صمت دولي مريب واقليمي محير يشبه صمت القبور.

وان يطفح الكيل حتى مع الرئيس الايراني المدني الكاره للحروب والعداوات والاحقاد، والداعية المشهور للحوار بين الحضارات، فيوجه تحذيرا شديد اللهجة للرئيس الامريكي من احتمال أن تتحول المنطقة الى فيتنام جديدة ويحذر العالم من اقترابه من اجواء حرب عالمية ستكون اسوأ وأخطر من الحربين الاولى والثانية.

ان يحدث هذا كله، يعني ان شيئا ما كبيرا يعد لمنطقتنا العربية والاسلامية، ابعاده أوسع بكثير من مجرد اصلاح اداري للسلطة الفلسطينية، أو تغيير رأس النظام الحاكم في العراق أو تكريس الديمقراطية في ايران.

في ظل مثل هذه الاجواء الملبدة بانواع الغيوم السوداء يقفز الملف العراقي الى الواجهة بقوة، والمعارضة العراقية من هذا الملف بشكل خاص.

وفي هذا السياق تظهر الاسئلة التالية بإلحاح على لسان كل متتبع للقضية العراقية:

ـ ماذا يعني احياء ثقافة الانقلابات والترويج لمقولات عودة الملكيات السابقة على يد الجنرالات واعادة تلميع العسكر؟! ـ ماذا يعني تعميم ثقافة الحروب الاهلية والفتن الطائفية والعرقية والدينية من خلال البيانات والاعلانات التي تذكر بزمن ملوك الطوائف؟! ـ ماذا يعني تعميم ثقافة العنف الداخلي من خلال اعادة الترويج لما يسمى بالعمليات النوعية ضد رموز السلطة وتشبيه ذلك بالعمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة ضد الاجنبي الاسرائيلي الغازي والمحتل؟! ـ ماذا يعني تحويل ما تبقى من رجال دين ومؤسسات مجتمع مدني (ان بقي منها شيء في العراق) الى خدم لدى العسكر والجنرالات ومنظري الانقلابات بالتواطؤ مع الاجنبي، وتحويلهم الى اداة لاضفاء الشرعية والمشروعية الدينية على تلك الاعمال؟! ـ ماذا يعني تعميم ثقافة تدويل سيادات الدول والاقطار، واعتبارها جزءا لا يتجزأ من الامن الدولي الذي تقرر ابعاده الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن الدولي؟! ـ ماذا يعني الترويج لمقولات مناشدة الاجنبي لتغيير السلطة في هذا القطر أو ذاك، واعتبار ذلك امرا طبيعيا بعد ان كان سابقة وبدعة يعاقب عليها في العمل السياسي ويتهم رجالها بالخيانة العظمى؟! ـ ماذا يعني الترويج لمقولة تغيير الحكام والانظمة بجرة قلم من ارباب ما يسمى بالمجتمع الدولي وواشنطن بشكل أكثر تحديدا؟! الى غير ذلك من الاسئلة الكبرى التي تحمل في طياتها في الواقع اجوبة مخيفة ليس فقط عن مستقبل العراق بل مستقبل المنطقة بأسرها.

يقول البعض ويروج، منذ مدة بانه «القطار الامريكي» المسافر الى بغداد بأمان شئنا أم أبينا، ولا بد بالتالي لكل من يهمه الوصول الى العاصمة قاصدا التغيير من ركوب هذا القطار لا محالة، لانه الفرصة الوحيدة المتبقية، بعد تعقد الملف العراقي وتشابكه مع الملفات الاقليمية الكبرى، وبعد ان سدت كافة المنافذ امام التغيير السلمي والديمقراطي! ولكن ثمة من يقول بالمقابل، ويتخوف من ان تكون المعارضات العراقية، وما اكثرها واكثر تشتتها، هي القطار بعرباته المتعددة التي قرر الامريكيون ركوبها واستخدامها للوصول الى مآربهم واهدافهم ومصالحهم في بغداد والعراق وعموم المنطقة.

ونحن بدورنا نسأل هذه المعارضات العديدة والمتعددة، الى اين انتم ذاهبون حقا؟! هل فعلا تنوون الذهاب الى بغداد وحكم بغداد؟! واذا كانت الاجابة بنعم، وهي ما اظنه فكيف تريدون مواجهة الشارع العراقي الحزين والمدمى بل والمقطع اربا اربا، ليس فقط بفعل شظايا القصف الامريكي والبريطاني وغيره، بل وبفعل شظايا قصفكم وعمليات الاغتيال النوعية التي قمتم بها وتريدون الاستزادة منها في اطار التغيير المزمع اكماله على يد جحافلكم «والفرق الاستشهادية» التي تستعد لانقاذ ما تبقى من جسم العراق الدامي؟! ثم كيف تتصورون حال الجمهور العراقي بشكل عام والشارع «البغدادي» بخاصة وهو يستقبل الفاتحين لبلاده وهم يتكلمون العربية بلكنة لندنية تذكره بكل ماضي الاستعمار الغابر؟! ثم الا تستعبرون من معارضة جارتكم ايران! وترون كيف ان مسعود رجوي وجماعته المجحفلة، مكروهة الى حد العمى في الشارع الايراني المعارض للنظام الاسلامي قبل ان تكون مكروهة لدى الموالين له، لأنها تعاملت ولا تزال مع الاجنبي حتى وان كان اسمه الجار العراقي المسلم، فكيف تريدون ان تكرروا التجربة بطريقة اكثر ايلاما على المواطن العراقي عندما تريدون الدخول الى بغداد بدعم واسناد انجليزي وامريكي؟!! كل هذا والعالم يعتذر من تاريخ هذه الحروب الاهلية وضحاياها من القاهرة الى دمشق الى ايرلندا، ولا بد انه قد وصل الى اسماعكم اعتذار الجماعة الاسلامية المصرية والجيش الجمهوري الايرلندي، ودعوة الاخوان المسلمين السوريين لفتح ابواب الحوار مع حكومة دمشق.

على اية حال، ان اقل ما يتوقعه وينتظره الشارع العراقي الجريح والحزين في العراق والمهجر بنظري، هو ان تتوقف السكاكين والخناجر الكثيرة التي تمعن في ذبحه وايلامه منذ نحو ثلاثة عقود، لا ان نزيده قتلا وتدميرا. واذا كان لا بد من قوافل الاستشهاديين، ومن جيش شعبي للتحرير، وكان لا بد من رهان على غير «تشان كاي تشيك» العراق في مواجهة احتمالات المستقبل الملبد بالغيوم، فلتكن الدعوة واضحة والارادة حازمة والموقف صارماً يحمل نداء شفافا مفاده تحريم التعامل مع جيش الغزاة واعداد العدة لتشكيل جيش التحرير الشعبي المدافع عن استقلال العراق ووحدة اراضيه وسيادته بعين، وعينه الاخرى مشدودة نحو اخوانه من ضحايا حرب الابادة العرقية في فلسطين.