هل واشنطن بحاجة لمزيد من العداوات؟

TT

نشر صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية ما وصفته بمذكرة اعدها «مجلس السياسة الدفاعية» بوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) واعتبر فيها معدوها المملكة العربية السعودية «دولة معادية» للولايات المتحدة ومساندة لـ«الإرهاب الاصولي» تطور جدير بالمتابعة الدقيقة من جمهور الساسة والمثقفين العرب المؤهلين للتصرف بالعقلانية التي يقتضيها مثل هذا الموقف. ونلاحظ هنا ان فيكتوريا كلارك الناطقة باسم «البنتاغون» اكدت في تصريح مكتوب لها انه «لا المذكرة ولا التعليقات الصادرة عن اعضاء المجلس تعبر عن الموقف الرسمي لوزارة الدفاع. فالمملكة العربية السعودية صديق قديم للولايات المتحدة، وقد ساهم السعوديون كلياً في الحرب القائمة عالمياً ضد الإرهاب وهم يتمتعون بعميق التقدير من الوزارة والادارة الاميركية».

معد المذكرة كما يستفاد مما نشرته الـ«واشنطن بوست» هو المحلل الاستراتيجي لوران مورافيتش الذي سبق له العمل محللاً استراتيجياً لوزارة الدفاع الفرنسية. ولكن اتجاهه التحليلي تدعمه كتلة من الشخصيات السياسية والعسكرية عدد منها محسوب على جناح «الصقور» المؤثرين في إدارة الرئيس الحالي جورج بوش. وهنا الأمر الاساسي الذي يستدعي التعليق والمتابعة.

ايضاً هناك عنصر الاجواء العامة المحيطة بـ«الحرب على الإرهاب» والتي بدأ معها فرز جديد يتنكر لعلاقات الماضي ويحصر معايير الصداقة والعداوة بهذه الحرب وحدها دون سواها. ولعل هذا جزء من اختلاف الظروف في حقبة ما بعد الحرب الباردة. ولا شك ان في كل عواصم القرارات السياسية الكبرى، وأولاها واشنطن، شخصيات وكتلاً لديها اولويات سياسية خاصة بها، وعلاقات حميمية مع جهات ودول قد لا يكون بالضرورة من صالح واشنطن جعل العلاقة معها محكاً لطبيعة علاقات دول العالم بواشنطن. وهذا أمر يلمسه المراقبون والمحللون العرب قبل غيرهم لدى نظرهم الى نشاط «اللوبيات» النافذة في العاصمة الاميركية، وبالذات في الكونغرس.

لقد تميز تعليق السفير السعودي في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، على المذكرة بصراحة كلية اذ قال انه يعتقد «انها مسعى سيئ التوجه وضحل وعديم الامانة في ما يخص الحقائق... وتكرار الاكاذيب لا يمكن ان يحولها الى حقائق». وهذا الكلام جدير بأن يؤخذ بالجدية التي يستحقها الحرص على علاقات من الصداقة والثقة تعود الى عقود عديدة. وبالخصوص لسببين اثنين: اولهما ان المملكة العربية السعودية لاعب اقليمي مؤثر وذو صدقية في العالمين العربي والاسلامي، وثانيهما ان واشنطن ليست بحاجة الى زيادة عدد عداواتها في منطقة تعيش أصلاً مناخاً من التوتر الشديد.

ان الثقة والالتزام بالتعامل الامين هما مفتاحا الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. والتصارح تحت سقف الاحترام المتبادل حول نقاط الخلاف وما يمكن ان تولده من إشكاليات في المستقبل، مسألة ضرورية بين الحلفاء والاصدقاء، ونزع فتيل العدوان والظلم واليأس اولوية يجب التنبه اليها قبل الجنوح نحو العموميات.