صدمة حضارية سينمائية

TT

العنصرية تبدأ من الذات، وإذا كان الآخرون عنصريين ضدك، فأنت غير مبرأ من هذا المرض الخطير لانك تمارسه بدورك ضد فئات أخرى.

فيلم «اركلها على طريقة بيكام» Bend it Like beckham يناقش هذه القضية العميقة، والمعقدة بأبسط الاساليب وهو ذاك الذين نسميه «السهل الممتنع»، ويشهد الله ان هذا المصطلح من أرق وأدق ما اخترعته هذه اللغة التي يتهمها بالقصور من لا يعرف اسرارها وخفاياها.

والعنصرية كالعربية لها قواعد لم يضعها جميعا سيبويه فكل مجتمع حين يبدأ بارساء قواعده يضع في اساسها بذرة العنصرية، وبلا فذلكة اضافية حتى لا نسيء الى بساطة وعبقرية الجهد الفني، فإن ذلك الفيلم يحكي عن فتاة هندية هاجرت مع اسرتها الى بريطانيا وعاشت في «سوث هول» جنوب لندن حيث الاسرة كلها تعمل في هيثرو، وتعيش بالجسد في بريطانيا اما العقل، فمع الأهل في البنجاب.

والمراهقة الهندية مفتونة بكرة القدم وصورة «ديفيد بيكام» كابتن الفريق الانجليزي معلقة في حجرة نومها وكذلك الـ «تي شرت» رقم سبعة الذي يرتديه وهو في الفيلم بمثابة صديق غير مرئي تبثه المراهقة المفتونة باسلوبه في اللعب همومها، وبالمناسبة فقد جاء اسم الفيلم من طريقة خاصة يركل بها بيكام الكرة. فهو الوحيد في العالم الذي يستطيع ان يركلها، فتذهب بشكل دائري مقوس، وليس باستقامة كما يقولون.

وما علينا، فالتحليل الفني لاسلوب بيكام ليس موضوع الفيلم انما تلك الفتاة الذكية التي يوشك والدها ان يمنعها من ممارسة هوايتها المفضلة حتى لا ينكسر قلبها، فقد كان هو ذات يوم لاعب «كريكيت» ممتازا، وجاء لبريطانيا «ليحترف» لكنهم احتقروه ومارسوا العنصرية ضده وابعدوه، فتمسك بلحيته وعمامته الهندية «التربان» ورد على العنصرية بمثلها متمترسا داخل بيت مضطهد لكنه يمارس العنصرية ايضا ضد السود والمسلمين، فمن غير المسموح للهندية ان تتزوج بمسلم أو زنجي حسب قوانين العائلة.

ووسط مفارقات مضحكة عن أم تفضل ان تعلم ابنتها طبخ العشاء البنجابي بدلا من ان تستمتع معها بنجوميتها الكروية، واخت تافهة لا عمل لها غير الانتقال من مغامرة الى أخرى بحثا عن عريس، وشاب شاذ يخشى من التصريح بميوله في مجتمع يحتقر الشاذين، أقول وسط كل هذه المفارقات المبنية على مشاهد سينمائية بسيطة ومتقنة تتسرب الرسالة الاساسية للفيلم عن الأخطاء التي نرتكبها بعد الصدمة الحضارية الاولى التي عولجت باتقان في هذا الفيلم الممتع.

لقد قاطع الأب المجتمع الانجليزي فكان هو الخاسر الوحيد من تلك المقاطعة، وأوشك ان يفرض على ابنته المتفوقة كرويا ذات الأسلوب، واشتكى الهنود حتى شبعوا من عنصرية الانجليز لكنهم في الفيلم كرسوا عنصريتهم، فقد أقاموا فرح ابنتهم دون ان يكلفوا انفسهم عناء دعوة الجارة المتعاطفة مع ثقافة مختلفة تريد ان تفهمها ولا تعرف كيف تتواصل معها.

والفيلم غير متعاطف مع الانجليز قطعا فالزوجة الانجليزية اكثر تفاهة من جميع الهنديات اللواتي يعتقدن ان تعليم البنت الطبخ أهم من الحصول على شهادة جامعية، وميزة الزوجة الانجليزية انها ابنة مجتمع مفتوح وغير مغلق على حلول بعينها، فهي تنجح بانقاذ اسرتها حين تتعلم هواية كرة القدم وتبدأ بتثقيف نفسها كرويا وبالتدرب على اسماء اللاعبين واساليبهم كي تقترب من عالم زوجها وابنتها التي تحصل مع المراهقة الهندية على منحة اميركية للاحتراف الكروي في «سانتا كلارا».

وان كنت تريد ان تحارب العنصرية داخل نفسك، وفي المجتمع، فانظر في مرآتك اولا وتذكر ان الآخرين ليسوا اعداءك لكنهم مجرد مختلفين في اسلوب العيش وطرق التفكير وتلك حكمة الله في خلقه فلو شاء لخلق الزهور كلها من لون واحد وعطر موحد وعندها كنا جميعا سننتحر مللا من عالم اللون الواحد الذي لا يحتفي بجماليات الاختلاف في الفنون والطعوم والروائح والألوان، وكل ما من شأنه ان يثقفنا، ويرتقي بأرواحنا وأذواقنا.