نائب الرئيس الذي تعمد الإهانة

TT

عندما جاء نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه في زيارة الى العاصمة البريطانية عقد مؤتمرا صحافيا في مقر السفارة السودانية حضره موفد عن هذه الجريدة ضمن المدعوين الاعلاميين الآخرين، وفي نهايته رتبت السفارة جلسة مختصرة على مندوبي صحيفتي «الحياة» و«الشرق الأوسط» وفوجئ الجميع بأن نائب الرئيس يعترض على وجود زميلنا اعتراضا على «الشرق الأوسط» ويأمر باخراجه من القاعة، فأصاب بعض كبار موظفي السفارة بالحرج. وتضامنت الزميلة «الحياة» معنا وابدت استعدادها بعدم نشر الحديث فقدرنا موقفها المحترم وكان رأينا ان تنشر المقابلة، وهكذا كان.

قلت للزميل عيدروس عبد العزيز: ثق ان السيد علي عثمان طه هو الخاسر في نهاية الأمر طال الوقت ام قصر، لقد رأينا رؤوسا كثيرة تتدحرج وزعامات تسقط، اما الصحف فهي على رأس التلة تتفرج. فليس في العمل الصحافي ايضا عداوات دائمة وان كانت هناك صداقات يمكن ان تكون دائمة، والسر ان الصحف ليست مضطرة الى ان تتبنى مواقف خاصة بها حيث تستطيع ان تعثر على من يقوم بذلك بالنيابة عنها، واسيت الزميل مؤكدا ان ما فعله رجل في مقام رفيع كنائب الرئيس ضد صحافي ليس الا رعونة مغموسة بالجهل تعبر بوضوح عن شخصية صاحبها، جاهلا ان معاداة صحيفة، أيا كانت هذه الصحيفة، عمل أحمق. قلت له: اجلس يا صاحبي بجوار النهر وثق ان الكثير من الجثث ستمر من امامك. وبعد اسبوع، عندما طيرت وكالات الانباء خبر رفض الرئيس المصري حسني مبارك مقابلة الشخص اياه، قلت ان الله يمهل ولا يهمل، وامعانا في الملح على الجرح التقى الرئيس مبارك وزير الاعلام السوداني مهدي ابراهيم فبدت الرسالة واضحة للجميع. وبعيدا عن التشفي نقول لنائب الرئيس انه يوم استثنانا من حواره فقد حرم نفسه في الحقيقة لأن هذه الصحيفة، او اي صحيفة اخرى مماثلة، ليست الا عربة لمن اراد ايصال رأيه وموقفه الى جمهوره.

نحن لا نعتبر رفض اللقاءات الصحافية جرحا للكرامة، لا ابدا، انما الاهانة المتعمدة فعل سيئ في اي مهنة كانت ومهما علا شأن فاعلها، ولا بد ان ترتد على صاحبها. كان عليه ان يتعظ من زملاء حزبه الذين حاربوا الجريدة وخسروا. فالشيخ حسن الترابي منظر النظام، فك الله قيده، جعلنا هدفه لسنوات واعتبرنا خصومه بدون وجه حق لأننا ننشر لمعارضيه، ولاحقت اجهزته موظفي مكتب الجريدة في الخرطوم واعتقلت احد مراسلينا وعذبته في السجن اضطر الى العلاج في المستشفى. ورغم هذا كله كانت «الشرق الأوسط» الصحيفة الاكثر ترحيبا باتصالاته بعد ان سقط من القمة وصار حبيس بيته ومنبوذا من السلطة، فحاورت الشيخ وأوصلت رأيه ونشرت رسائله. فنحن عندما نشرنا آراء ضده في البداية لم تكن عداوة له وعندما فتحنا صدورنا لم تكن محبة له بل هي وظيفتنا، وكنا نعتقد ان الاحرى به، وبغيره، ان يقدروا هذه المهمة مهما اختلفوا مع الصحافي او الصحيفة.

نقول لنائب الرئيس ان يحسب حساب الايام، يوم له ويوم عليه.