لفتة إيجابية من طهران

TT

من الواضح ان إيران بدأت إرسال بعض الإشارات الى واشنطن بأن بعض المصالح المشتركة بين البلدين تتماشى مع حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب، على الرغم من نعت الرئيس جورج بوش لها كطرف في «محور الشر». في هذا السياق يمكن اعتبار مبادرة إيران بتسليم 16 سعودياً مشكوكا بانتمائهم إلى «القاعدة» الى السعودية، رسالة مقصودة إلى واشنطن تعبّر عن الموقف الإيراني المحايد ـ وربما المتعاون ـ تجاه أي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة ضد العراق، حسب ما ذكره بعض المحللين الإيرانيين والغربيين.

فإيران على علم بأن الولايات المتحدة ستحصل على أي معلومات يمكن الحصول عليها من مقاتلي «القاعدة» الذين دخلوا إيران من أفغانستان خلال عدة أشهر ثم سلموا في يونيو (حزيران) الماضي، حسب ما ذكره وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، أثناء مقابلتين أجرتهما معه صحيفة الـ«واشنطن بوست» ومحطة «ايه بي سي نيوز».

وكان الرئيس الأميركي قد سمى إيران، في يناير (كانون الثاني) الماضي، جزءا من «محور الشر» جنبا إلى جنب مع العراق وكوريا الشمالية، على الرغم من المساعدة الاستخبارية السرية التي قدمتها طهران للقوات الأميركيةخلال الحملة الأميركية التي جرت في نهاية السنة الماضية في أفغانستان. وخلال تلك الفترة سادت الآمال بين الدبلوماسيين الإيرانيين والأميركيين من أن يتطور ذلك التعاون بين الطرفين كي يصبح آلية لتحقيق التقارب النهائي. لكن بدلا من ذلك قام الرئيس بوش باتهام إيران بالتدخل في شؤون أفغانستان، ثم تمت مصادرة شحنة أسلحة متوجهة إلى الناشطين الفلسطينيين زُعم في وقتها أن إيران كانت مصدرها. كل ذلك دفع بوش لإدخال إيران ضمن «حلف الشر».

ومنذ ذلك الوقت لم تهدأ حدة اللهجة بين الطرفين. إذ اتهم المسؤولون الأميركيون إيران بأنها تسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وأنها تحاول التعجيل بتنفيذ اتفاقها مع روسيا لبناء أول مفاعل نووي لها.

وضمن هذا السياق قالت روزماري هوليس، المحللة في المعهد الملكي للقضايا الدولية بلندن: «في بداية ديسمبر الماضي كان الإيرانيون على استعداد للتعاون مع الأميركيين في المسائل التي تخص العراق مثلما تعاونوا في الشأن الأفغاني، لكنهم أعادوا النظر بمواقفهم بعد الانتكاسة الشديدة التي عرفتها العلاقات بين واشنطن وطهران». وأضافت هوليس: «السؤال الآن: هل سيكون موقف إيران عدائيا تجاه التدخل الأميركي في العراق؟ كل الدلائل تشير إلى أن الإيرانيين على استعداد للتعاون مع واشنطن إذا تصرفت الأخيرة بشكل مناسب مع طهران». وترى هوليس انه إذا ترُجمت المبادرة الإيرانية بتسليم مقاتلي «القاعدة» إلى السعودية بهذه الطريقة «فأنا لا أظن أن الإيرانيين سيمتنعون عن التعاون». ويقول الصحافي الايراني بوزورغميهر: «إيران كررت مرارا أنها ضد الإرهاب، لكنها تريد أن تكون طرفا في حملة تجري تحت إشراف الأمم المتحدة. وليس ضروريا أن تكون وجهة نظر إيران حول الإرهاب مماثلة لوجهة نظر القيادة الأميركية». وأضاف : «مع ذلك، أنا مقتنع بأن المسؤولين الإيرانيين مسرورون لوجود شيء قليل تلتقي فيه إيران مع الولايات المتحدة. وهذا ينطبق على الجمهور والمسؤولين في آن واحد».

مع ذلك عبّر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركيين عن تشككهم بنيات إيران وراء تسليم مقاتلي «القاعدة». إذ قالوا إنه لو كانت إيران صادقة لقامت بتسليمهم مباشرة إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن البلدين ضيعا الكثير من الفرص لإعادة العلاقات بينهما خلال العقدين السابقين، لكن مع أخذ التركيب السياسي المعقد لإيران بنظر الاعتبار فإن قرار تسليم مقاتلي «القاعدة» لا بدّ أنه حظي بموافقة التيار المحافظ داخل المؤسسة الحاكمة.

وقال العالم السياسي الإيراني زيب الكلام: «الكثير من القادة الإيرانيين الذين يلقون خطبا نارية متطرفة ضد الولايات المتحدة لا تتماشى أفعالهم في هذا المجال مع ما يقولونه ضدها. وهذا يعني أنه بغض النظر عما يقولونه فهو ليس إلا للاستهلاك المحلي». وأضاف: «أعتقد أنه حتى لو رددت إدارة بوش كلمات قليلة تعبر عن التقييم أو الاعتدال ـ ليس ضروريا شكر القادة الإيرانيين بل اعتبارها خطوات إيجابية ـ فانها ستساعد على التخفيف من العداء القائم حاليا بين البلدين».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»