أفاطم مهلاً...!!

TT

أول مرة رأيت فيها المفكرة، والأكاديمية المغربية فاطمة المرنيسي وقعت في غرامها على الفور ومن ذا الذي لا يقع في غرام عقل مرتب وجريء؟!! وكانت ذلك في ندوة عن التربية والتنمية في ابوظبي قبل ربع قرن من الزمان. وكانت فاطمة جميلة ـ آنذاك ـ وما تزال بارعة الجمال اليوم فالمرأة الذكية لا يمكن ابداً ان يذوي جمالها او تشيخ، والعقل الشجاع لا يمكن ان تقول له: مهلاً على طريقة امرئ القيس، فدوره ان يكتسح ويشاغب من المهد الى اللحد.

ويومها شاركها الحديث تونسي تافه صار رئيساً للوزراء، ومنها الى تلة النسيان، والرجاء احلال هذا المصطلح «تلة النسيان» مكان «مزبلة التاريخ» فالثانية امتلأت ناهيك عن وقعها غير المريح على الأنف والاذن والعين... والحنجرة ان شاء الاطباء.

ولم تكن فاطمة المرنيسي تلك الايام قد اصدرت معظم كتبها المعروفة ككتاب «الحب في حضارتنا الاسلامية»، و«السلوك الجنسي في مجتمع اسلامي طبقي»، و«المغرب كما تحكيه نساؤه» ثم «الحريم السياسي» وعشرات الكتب الاخرى التي ايقظت العقول ونبهتها الى جوهر الصراع الحقيقي وليس ذلك الوهمي الذي تخرج لأجله المظاهرات بالشوارع ويتصارع من اجله «الهتيفة» والمكتسبون.

وبعد دهر من ذلك اللقاء وفي زيارة خاطفة للمغرب الاسبوع الماضي وجدت فاطمة المرنيسي التي لا تستطيع التنفس خارج حي اكدال بالرباط مضطرة لتفسير نفسها في حديث مطول على حلقات تنشره «الاحداث المغربية»، وما اصعبها من حالة ان تكتب اكثر من عشرين كتاباً وتلقي الف محاضرة وتعطي مليون مقابلة، ثم تضطر لشرح ما حاولت قوله بكل الاساليب واللغات لأن هناك من يخاف او يتمهل في الفهم البسيط.

وأهم ما تريد فاطمة المرنيسي تصحيحه في هذه المرحلة صورتها التقليدية كمدافعة عن حقوق المرأة، فهي تقول اليوم ان تلك لم تكن قضيتها على الاطلاق فقد كانت ومنذ بداياتها تركز على مسألة الشخص في المجتمع المسلم، وكل من قرأ ما فوق سطورها، وتحتها سيدرك ان لم يكن من قراء «التماليح» انها كانت تتحدث عن دينامية الجنسين ولم تقترب ابداً من قضية المرأة ككائن منفصل عن المجتمع وتشابكاته المعقدة.

واذا قالت فاطمة فصدقوها دون ان تعارضوها او تقولوا: مهلاً، فان القول ما قالت فاطمة، فهي ومنذ ايامها الجامعية كطالبة نجيبة قدمت اطروحة ذكية عن «دينامية الجنسين» نشرتها لها جامعة بوسطون وترجمها العرب على سبيل الخطأ المقصود باسم «ما وراء الحجاب» ومن هناك بدأت الاخطاء تتراكم، وصارت فاطمة المرنيسي عند البعض الجناح الأيسر، وغادة السمان الجناح الأيمن، اما قلب الهجوم في فريق النسوية العربية، فكان وما يزال نوال السعداوي.

ولا يملك الذين وقفوا مع قضية تحرير المرأة من منطلق تحرير الانسان (الشخص) الا ان يحسوا بالاغتباط وهم يرون فاطمة المرنيسي تقدم هذا التصحيح الضروري بلغة تعكس روحها المرحة «... هذا خلط يقع فيه اولئك الذين يعتقدون انني اقضي وقتي في التباكي على النساء او الدفاع عنهن وهو امر غير صحيح لأنني شخص مولع بالضحك...».

لقد خسرت النسوية العربية كثيراً وهي تخوض معركتها البطيئة لتحرير المرأة معزولة عن تحرير الرجل، فالأساس في تلك المعركة كما قالت فاطمة الشخص الانساني والفرد ككيان مقدس بغض النظر عن جنسه اي ان معركة التحرر متكاملة ويخوضها الرجل والمرأة كتفاً الى كتف ويداً بيد ضد آليات ومؤسسات تقمعهما معاً وبذات الأسلوب والأداة.

وشكراً لفاطمة المرنيسي على توضيح الواضح، فقد كانت مهمتها صوغ المعاني من مناجمها ومعادنها، وما عليها بعدها إن أُسيء فهمها هنا او هناك فالكتابة أداة تجريم وتثوير، وفي كل سطر نخطه نخلق عشرات الاعداء، وعشرات الاصدقاء وتظل الكلمة الاخيرة للعقل الذكي المتفتح الذي يزداد اتقاداً واشتعالاً كلما سنوا السكاكين لوأده، ومنعه من مواصلة شغبه الجميل.