من براغ إلى جوهانسبيرغ

TT

العاصمتان التشيكية والنمساوية براغ وفيينا غارقتان بمياه الفيضانات النهرية، والسيول الجارفة تجتاح بل تدمر شواطئ جنوب روسيا على البحر الاسود، وغمامة بنية اللون داكنة وكثيفة معلقة في الفضاء فوق مناطق واسعة من آسيا بحيث بات من الصعوبة تمييز الليل من النهار...

في كل مكان شكوى واستغراب مما يحدث للمناخ في العالم اليوم، ومن ثم تساؤل عما إذا كانت هذه بدايات الكارثة البيئية التي طالما حذر العلماء منها خلال العقدين الاخيرين! الواقع ان الجدل قائم وبحدة بين تيار البيئيين الذين يرون ان ما نشهده هو حقاً احدث الإنذارات من تلاعب الانسان بالميزان الطبيعي لكوكب الارض، وتيار يضم بعض العلماء الذين يردون بالقول ان ظاهرة الفيضانات ليست جديدة على العالم، وان طوفان نوح (عليه السلام) مثال على ذلك. وللعلم انه في ما يخص براغ وفيينا فقد سبق للمدينتين ان تعرضتا عامي 1812 و1847 لكارثتين مماثلتين لما تعانيان منه راهناً. اما الغمامة الآسيوية فقد لا تكون أكثر من مجرد تلوث ضبابي سرعان ما يبدده هطول الامطار الموسمية.

ولكن بعد ان يقول الكل رأيه، ينبغي منع سقوط مسألة البيئة الكونية ضحية تخمينات تدعي العلم ادعاءً او مماحكات مكابرة تنم عن مصالح السياسة والسياسيين. وكم سيكون أمراً طيباً ان تنأى «قمة الأرض» المقبلة المرتقبة في وقت لاحق من الشهر الجاري بمدينة جوهانسبيرغ، في جنوب افريقيا، بنفسها عن الخوض في الجدل العقيم بين التيارين. ذلك ان ما يلزم هو تركيزها على تبني تدابير عملية وواقعية لضبط التلوث البيئي.

لقد حددت «قمة الأرض» الاولى في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، قبل نحو عشر سنوات، عدداً من الأهداف المفترض بلوغها اليوم، ولكن مع الاسف لم يتحقق اي منها رغم كل مزاعم المتحذلقين وهواة التبرير. ووسط عجز حكومات عن تحقيق اي تقدم، وتلكؤ حكومات أخرى عن السير قدماً، يتعمد البعض إبعاد الجدل عن الموضوع البيئي برمته. ومن الملاحظ ان دولاً قوية وغنية كالولايات المتحدة وبريطانيا تحث على تحريك الامكانيات المتاحة لمكافحة الفقر في العالم.. بدلاً من إبقاء البيئة في قمة الاولويات العالمية! وطبعاً في هذا الطرح غير البريء رغبة مكشوفة في إجبار دول العالم على المفاضلة بين حاجتين حيويتين، مع ان المطلوب هو تبني نهج يحترم غايتي مكافحة الفقر وحماية البيئة في آن معاً. وما لم تكن هذه الناحية واضحة للجميع في جوهانسبيرغ، لن تكون القمة الجديدة الا نزهة باهظة الكلفة وعديمة الجدوى لعشرات الالوف من الرسميين والناشطين وافراد جماعات الضغط.