أميركا متخوفة من انقطاع الإمدادات النفطية

TT

عندما انتُخب الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، ركز على مسألة النفط البديل! وتطلع الى الـ «الاسكا»، فهو رجل نفط ونائبه (ديك تشيني) رجل نفط، وكان حاكما لولاية نفطية هي تكساس. التقارير تقول ان احتياطي نفط الـ«الاسكا» قد لا يكون بحجم التوقعات، وبالتالي يجب الانتظار الى ما بين 2010 و2020 للتأكد. ومع الاسابيع الاخيرة بدأ الحديث عن اسباب الحرب على العراق يأخذ طابعا نفطيا اكثر من مسألة تجريده من اسلحة الدمار الشامل، وإن كان المسؤولون الاميركيون يصرون على الترتيب التالي: تدمير اسلحة الدمار الشامل ومن ثم النفط.

نابوليون بونابرت قال: فتش عن المرأة. وجورج دبليو بوش يبدو كمن يقول: فتش عن النفط. الى اين ستصل اسعار النفط اذا ما وقعت الحرب على العراق؟ يجيبني خبير نفطي: لنفترض ان العراق، ومن دون حرب، قرر ان يقطع النفط، فانه سيسحب من السوق النفطية حوالي مليون ونصف المليون برميل في اليوم، لكن اذا وقعت الحرب وحافظت الدول المجاورة له على تصدير حصصها، فان السوق ستنقصه الكمية نفسها، 1.5 مليون برميل. السؤال المطروح هو عما اذا كانت الدول الاخرى، ابتداء من ايران حتى السعودية فالامارات، ستنتج كميات اضافية للتعويض عن النفط العراقي؟ يرد الخبير النفطي: ان ما يخيف قطاع النفط العالمي، ان هذه الدول في ظل ظروف سياسية تختلف عن الظروف العادية، غير مستعدة لزيادة انتاجها، لا سيما اذا كانت ترفض هذه الحرب.

واسأله في هذه الحالة هل سيرتفع سعر النفط او ان دولة مثل فنزويلا قادرة على التعويض؟ ويجيب ان فنزويلا لا تملك القدرة على التعويض وانه باستثناء المملكة العربية السعودية، فان قدرات الدول الاخرى محدودة، اذ يمكن لليبيا والجزائر ان تضخ كل منهما زيادة عن حصتها 100 الف برميل يوميا، فنزويلا 150 الف برميل، ايران 150 الفا الى 200 الف، والقدرة على الانتاج الاضافي ما بين الكويت والامارات العربية المتحدة لا تتعدى 200 الف برميل، في حين ان المملكة العربية السعودية تستطيع في اقل من 90 يوما ان ترفع انتاجها من ثمانية ملايين برميل يوميا الى 10 ملايين برميل، لان لديها الصهاريج وتسهيلات التصدير والمضخات. وهنا تبرز اهمية المملكة العربية السعودية.

ولكن، في حالة الرفض الى اين سيصل سعر النفط؟ يقول الخبير النفطي: ان السعر الحالي للنفط (25 دولاراً) مرتفع، ويجب ان يكون حوالي 22 دولاراً. ويضيف: ان ما سيحصل كالآتي، اولا، ان الحكومة الاميركية خصوصا هي المسيطرة على اسواق النفط الورقية، ولها اتصالات مباشرة مع جماعات النفط وخصوصا الشركات الكبرى وبالتالي لها نفوذ على قرارات الشركات. وقد لاحظنا عندما اوقف العراق انتاجه لمدة شهر، كان من المفروض ان يرتفع سعر النفط، فالسوق خسر 50 مليون برميل ذلك الشهر. وسبب عدم ارتفاع الاسعار كان اتصالات الحكومة الاميركية، يضاف الى ذلك ان معظم الشركات التي تتعامل بالقطاع النفطي الورقي هي شركات اميركية يهودية وتستطيع ان تلعب بالسوق بسبب قدراتها المالية، وهي تستطيع ان تبيع مقدما، وعندما تفعل ذلك ينزل السوق قليلا، انما هذا التأثير لا يطول، فالطلبات الحقيقية على النفط ستفرض نفسها. الآن اذا وقعت الحرب، وفرضت الاحتياجات النفطية نفسها، ستعتمد اميركا بقوة على امرين، الاول: ان تخفض من الاستهلاك الداخلي، والثاني ان تعتمد على مخزونها النفطي، ولديها المخزون الاستراتيجي والمخزون التجاري. الاول يلبي احتياجات 90 يوما، والثاني تسيطر عليه الشركات الكبرى والمخزون التجاري للاستهلاك الشخصي.

ويتوقع الخبير النفطي ان تستعمل اميركا جزءا من مخزونها الاستراتيجي وان تتعاون مع شركات النفط لاستعمال مخزونها التجاري، ولا يستبعد ان يصل سعر النفط الى 40 او 45 دولارا.

هناك من يتخوف من ان يطلق العراق صواريخه لضرب آبار النفط الخليجية؟ يؤكد الخبير النفطي صعوبة ضرب قطاع النفط العالمي وبالاخص في الكويت والسعودية. ويقول: عندما كان الجيش العراقي في الكويت وبقي فيها ستة اشهر، لم يستطع حرق كل الآبار، حرق 700 بئر من اصل 1200 بئر، وحتى الحريق نفسه كان صعبا. الشيء الوحيد الممكن قصفه وبصعوبة هو منشآت التصدير، اما المنشآت الانتاجية فمستحيل ضربها. ويقول الخبير النفطي، انه خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، كان الطيران العراقي هو المسيطر على الاجواء الايرانية، وظل حوالي تسع سنوات يضرب المنشآت النفطية الايرانية ومع هذا لم يتوقف انتاج النفط الايراني، واستطاع العراق فقط السيطرة على مصفاة عبدان وتدميرها، لان جيشه احتلها منذ البداية. واسأل، ان البعض يردد ان هناك خطرا على مضيق هرمز؟ يستبعد الخبير النفطي الامر تماما، واذا فكر العراق بضرب الموانئ النفطية؟ انها محمية تماما من جهة قطر والمملكة العربية السعودية والكويت ومدعمة بقوات في البحرين وعُمان، ولا يمكن لطائرة عراقية ان تنطلق من العراق. كما انه لا يملك الصواريخ، واذا ملكها فهي غير دقيقة.

ولكن، اذا وقعت الحرب وارتفع سعر النفط، لا بد ان يتأثر الاقتصاد في العالم كله خصوصا مع هبوط الاسواق المالية؟ يقول الخبير النفطي: من المؤكد في كل الاوضاع الاقتصادية الحالية، ان العالم كله سيتأثر، فمشكلة الدول المنتجة للنفط انه ليس لديها اسواق استهلاكية وبالتالي فهي لا تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد العالمي من ناحية دوران الدولار في سوقها المحلية، واحدى مشاكل العالم الاقتصادية هي داخل السوق المحلي الياباني. اما الدول النفطية الخليجية فهي ليست استهلاكية على نمط ايران واندونيسيا ونيجيريا، من ناحية دوران الدولار، ولهذا فان دول العالم الثالث سوف تتضرر بشكل فائق، خصوصا الهند والباكستان، اما الدول الاوروبية واميركا فانها ستتأثر بسبب الركود الاقتصادي الذي تعاني منه، لذلك ستكون هناك زلزلة في الاقتصاد العالمي، انما الى اي حد؟ سنرى.

ووسط كل ما يتم تسريبه من خطط عسكرية جاهزة ـ انما التوقيت لم يتقرر بعد ـ تم تسريب تقرير مؤسسة راند الذي وضعه مستشار وزارة الدفاع الفرنسية السابق لوران موراويك وتمت مناقشته في وزارة الدفاع الاميركية وشدد على استبدال الاعتماد على النفط السعودي، بالنفط العراقي. موراويك رفض التعليق والتوضيح قائلا انه غير مخول رسميا، اما مؤسسة راند فقد اصدرت بيانا اكدت فيه ان تقرير موراويك مساهمة شخصية منه وليس صادرا عنها كمؤسسة، وان آراءه لا تمثل راند او الوكالات الاخرى التي ترعى ابحاثها.

لكن ماذا عن نفط العراق؟ في اتصال مع الدكتور فاضل الجلبي، الذي كان ممثلا للعراق في اوبك، وعمل مساعدا لامين عام اوبك قال: ان في العراق حقولا نفطية مكتشفة وخمسا منها عملاقة، انما لم يتم تطويرها بسبب الحرب مع ايران وغزو الكويت والعقوبات الاقتصادية، ومنها حقل مجنون الذي يعتبر حقلا عملاقا. وكذلك عدد آخر من الحقول، اقل من مجنون، انما ضخمة، مثل حقول نار عمر وغرب القرنة حيث يحتوي كل منها على ما لا يقل عن سبعة الى ثمانية بلايين برميل.

ويضيف، انه اذا استقر وضع العراق وانتظمت علاقاته مع بقية الدول، يمكن لشركات النفط الغربية ان تستثمر فيه، ففيه من الاحتياطي الكافي الذي يجعله ينتج حوالي سبعة ملايين برميل يوميا، ومن السهولة ان تبلغ القدرة الانتاجية في العراق حوالي ثمانية ملايين برميل يوميا بكلفة 25 الى 30 مليار دولار. ويقول الدكتور الجلبي: ان العراق فاوض الكثير من الشركات النفطية المهتمة بنفطه مثل «توتال الف»، الا انه لم يوقع عقودا، الا العقد الذي وقعه مع مجمع شركات النفط الروسية (من بينها لوك اويل).

ولانتاج هذه الكميات، يحتاج العراق الى اربع او خمس سنوات فقط، لان الحقول معروفة، وبمجرد ان يتم توفير التسهيلات، من انابيب النفط، والمحطات والمضخات، يمكن ان تصبح طاقة العراق الانتاجية سبعة ملايين برميل يوميا. ويقول الدكتور الجلبي، ولان العراق لا يملك الامكانية المالية لتنفيذ هذه التسهيلات، فلا بد من وجود شركات اجنبية تستثمر في القطاع النفطي. ويضيف: اذا زال الحصار الاقتصادي عن العراق، فان هناك عددا كبيرا من الشركات خصوصا الاميركية والبريطانية المهتمة، ثم ان للعراق ميزة جغرافية وهي التصدير من خلال موانئ البحر الابيض المتوسط، مثل جيهان في تركيا، وسورية، وكلها يمكن توسيعها وتطويرها. كما ان العراق يجري مباحثات مع الاردن حول ميناء العقبة، لهذا اذا عاد الوضع في العراق الى طبيعته فيمكن لانتاجه اليومي ان يصل حتى ثمانية ملايين برميل يوميا.

واسأل: هل لا بد من الحرب لتحقيق هذا، او ان الحل السلمي ممكن؟ ويجيب الدكتور الجلبي، المهم هو: هل ترفع العقوبات الاقتصادية ام لا. لانه من دون رفع العقوبات لن تخاطر اي شركة في خرق قرارات الامم المتحدة، واذا رُفعت العقوبات واذا استعاد العراق حرية التصرف واصبحت علاقات اميركا وبريطانيا معه طبيعية، عندئذ يمكن للشركات الاستثمار فيه. وبالنسبة الى تبديل النظام، فمن الناحية الفنية، لا يهم الشركات النفطية من يحكم، بل تهمها مصالحها وكيفية ضمان هذه المصالح، وهذا يتوقف على اشياء كثيرة، لذلك هناك احتمالان، فاما ان تبدّل الحكومة العراقية الحالية سياستها وتكسب ود واحترام العالم وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية، او ان نراقب ما يكتب ويشاع في الصحف عن خطة اميركية لتغيير النظام.

وأسأل: كم يبلغ احتياطي النفط العراقي؟ يقول الدكتور الجلبي: من خلال دراسة اخيرة اعددناها عن العراق، اتضح لنا حسب الممكن والاحتمالي من احتياطي النفط، ان الحد الاقصى من احتياطي النفط العراقي سيزيد عن 300 مليار برميل، وحسب الدراسة يمكن، مع التكنولوجيا الحديثة، ان تصل طاقة العراق الانتاجية حتى 10 ملايين برميل نفط يوميا.

يتبين من كل هذا ان ما يقلق اميركا والغرب هو ان تنقطع الامدادات النفطية، كما حدث مع ثورة الخميني. والعراق في وضعه الحالي لا يمكن ان يطوّر نفطه ولا بد بالتالي من اجواء جديدة ومن حكومة عراقية تطبّع العلاقات مع بقية الدول. ويبدو ان اميركا غير مستعدة للحديث مع صدام حسين. انما، حسب معلومات موثوقة، فان بريطانيا على استعداد لاعادة لعب الدور نفسه الذي قامت به مع ايران وليبيا.