أصيلة وساحة الحوار الحقيقي

TT

قلت لعمدة مهرجان اصيلة الثقافي ان اصراره قبل اكثر من اثني عشر عاما على فتح حوار ثقافي عربي ـ غربي فيه قراءة صائبة لمستقبلنا، فقد اختار عناوين الحوار والعلاقة والمصادمة لتكون موضوعات عدد من مواسم الصيف الماضية، وأتذكر مرة ان ورقتي لم تلق استحسان الجمهور، وان كانت قد قوبلت بأدب من قبل الجميع، كتبتها آنذاك عن ضرورة التفريق بين السياسة والثقافة العريضة، وعدم الخلط عند الرفض لكل ما ينتمي الى أمة كاملة كالأمة الاميركية فقط لأن حكومتها صوتت في مجلس الامن ضدنا. فالرفض الشامل، عدا عن انه لا يجوز عقلا، فانه يستحيل عملا في وقت اصبح قطب الجاذبية العالمية في مكان واضح ترتبط مصالحنا به بشكل او بآخر.

وقلت للصديق محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي، مخترع اصيلة، بعد جلسة ساخنة ان في الحوار متعة حقيقية رغم ما يعنيه الشجار الفكري احيانا من عتب او احراج. وهذا ما حدث في الندوة الماضية عندما أصر معظم الحضور ومعظم المشاركين على انتقاد مارتن انديك، المساعد السابق في وزارة الخارجية الاميركية والعضو في معهد بروك للبحوث، وقد سعد الجميع بأن بينهم من يخاصمونه ويلومونه ويصفقون للتعليقات الناقدة ضده، ورغم هذا الاحراج الأدبي الا انه حوار مفيد رغم عدم توازنه في التمثيل والتصفيق.

هذه المدينة الساحلية الصغيرة التي كبرت كثيرا عن آخر مرة زرتها فيها قبل خمس سنوات، لا تزال ممتعة بمتاحفها ولوحاتها الجدارية وزوارها من كوريا واليابان وغرب وشرق اوروبا والولايات المتحدة اضافة الى اهلها العرب الذين اعتادت عليهم أصيلة كل صيف منذ 17 عاما، وهي تستعد لافتتاح مكتبة كبيرة يبنيها حاليا الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن، وأحد المعجبين بتجربة أصيلة. فهي تجربة ليست شائعة في ميادين الثقافة حيث يندر ان تجد تناقضات على منصة واحدة مثلما رأينا عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة الايراني السابق جالسا بجانب مارتن انديك الاميركي وكل واحد منهما يتهم الآخر بالكيل بمكيالين، او تسمع مثلا محسن العيني رئيس الوزراء اليمني السابق والسفير السابق ايضا لبلاده في واشنطن الذي القى كلمة رائعة عن احاسيسه وتجربته مع الولايات المتحدة، البلد الذي قال انه سافر اليه بلا جواز سفر كان قد نسيه في بيته في صنعاء، مع هذا سمح له موظف الجوازات بدخوله بكل ترحاب اما اليوم فالولايات المتحدة بلد قلق رافض لكل الجوازات الممهورة بالتأشيرات الرسمية الا بعد عناء ومشقة.

ان عيب معظم الميادين الثقافية الأخرى انها منابر موجهة من خطباء يقرأون من نسخة واحدة في حين ان دورها التثقيفي يقتضي تنوع وتعارض الافكار التي يدافع عنها اصحابها، والا ما الفائدة من هذا السيل الذي لا ينقطع من الندوات التي تتحدث بصوت متشابه ضد اميركا او اسرائيل او اي موضوع مماثل؟ لماذا لا يتعود المشاركون على افساح كرسي او اكثر للآخرين ليدافعوا عن افكارهم فلعلهم يتعلمون منا او نتعلم منهم، او على الأقل نربي فينا عادة سماع الآخرين بآذان مفتوحة وأخلاق عالية.