انقلاب كراوفورد

TT

بعد أن تأكد المتآمرون من سفر كولن باول إلى منطقة هامبتونس، اتجهوا إلى مزرعة كراوفورد للاجتماع هناك. وهكذا، ففي الوقت الذي كان الجنرال غير الواثق من نفسه مستغرقا في تناول وجبة الضحى مع آخرين، كان تشيني ورامسفيلد ورايس مجتمعين مع بوش في مزرعته بكراوفورد كي يضعوا مخططات التخلص من صدام حسين.

كنا معتادين على القلق من وقوع انقلاب عسكري ضد السلطة المدنية، لكننا نحن الآن قلقون من وقوع انقلاب مدني ضد السلطة العسكرية.

إنه عكس ما يحدث في الفيلم الكلاسيكي الشهير «سبعة أيام من مايو» حيث تحاول مجموعة من الجنرالات المتحمسين انتزاع السلطة من الرئيس الذي كان يسعى إلى استرضائهم، بينما ما جرى في مزرعة كروافورد هو فيلم يمكن إطلاق عليه اسم «واحد وثلاثون يوما من أغسطس» حيث يسعى مستشارو الرئيس المتحمسون الى انتزاع السلطة من ايدي الجنرالات الساعين إلى استمالتهم.

وإذا كانت كلمة السر التي استعملها الجنرالات لانقلابهم العسكري في الفيلم الأول الذي أنتج سنة 1964 هي «بريكنس»، فان كلمة السر في الفيلم الجديد المنتج سنة 2002 هي «القيادة العليا»، إذ قال الرئيس بوش، حينما سأله أحد مراسلي وكالة أسوشييتد برس عن الكتاب الذي يقرأه الآن أثناء عطلته، إن عنوانه هو «القيادة العليا» لإليوت كوهين، والمؤلف هو محافظ يدعم في كتابه إسقاط صدام حسين عن الحكم، وتضمن هذا الكتاب الذي يقرأه بوش الآن هجوما شديدا على نظرية باول المتحفظة، بدلا من ذلك يطلب كوهين من الزعماء المدنيين عدم الإذعان لـ«الحذر الجوهري» الذي يطرحه الجنرالات المنتحبون في وضع الخطط الحربية أو في حالة استعمال القوة بصورة عامة.

فتحت الشعور بالإرهاق من تقييدات الجنرالات المتقاعدين ـ باول، برينت كروسكروفت ويسلي كلارك ـ ومن الجنرالات غير المتقاعدين الذين هم أعضاء هيئة رئاسة الأركان الأميركية، وتحت تأثير التعب المتأتي من الهمسات المتواصلة في أروقة البنتاغون ووزارة الخارجية المحذرة من مغبة الإسراع في شن حرب ضد العراق، قرر الصقور المدنيون الهرب إلى تكساس ليزيلوا الغبار هناك عن ريش صقوريتهم.

لكن البيت الأبيض أنكر أن يكون الرئيس قد جمع مجلسه الحربي للتحدث عن الحرب، ولتقرير متى وكيف يمكن استخدام كل العدة الثقيلة التي راحت الولايات المتحدة تنصبها في بلدان مجاورة للعراق؟

مع ذلك أشار المجتمعون الى أن الجنرال تومي فرانكس رئيس القيادة العسكرية المركزية المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط لن يحضر اجتماعاتهم في مزرعة بوش. كما قال ناطق رسمي باسم باول إنه لن يذهب إلى الاجتماع لأن لديه اجتماعا يدور حول موضوع الميزانية العسكرية. لا يهم فالميزانية العسكرية هي أموال قد تُصرف لتدمير العراق.

من جانبه، قال آري فلايشر المتحدث باسم البيت الأبيض إن هدف الاجتماع في مزرعة بوش هو لمناقشة «التحول» العسكري. نعم، إنهم سيقومون بتحويل بغداد إلى «تاريخ». لم يكن هناك سوى القليل من المشاركين في الانقلاب ذوي خلفية عسكرية. فباستثناء رامسفيلد، لا تمتلك القبيلة المناصرة لتدمير العراق ـ التي من ضمنها ديك تشيني وكوندوليزا رايس وبول وولفويتز وريتشارد بيرل ـ أي علاقة بالجيش أو العمل العسكري.

يرى العسكريون المعارضون لمستشاري الرئيس المدنيين أن من الحكمة التركيز على تلك الثمار الجاهزة ضمن سياسة «الحرب ضد الإرهاب» أولا ـ السودان والصومال واليمن والفلبين واندونيسيا وكولومبيا ـ فهم متخوفون من أن يكون أعضاء الجناح المناصر لضرب العراق شديدي التفاؤل الى الحد الذي يجعلهم مقتنعين بأن أسلحتنا وقواتنا الخاصة قادرة على منع صدام حسين من قذف جنودنا بالأسلحة الكيماوية. فهم يخشون من أن تكون قناعة رامسفيلد بقدرة الولايات المتحدة على خوض الحرب ضد العراق بشكل سريع وخفيف وسهل هي ليست سوى هراء لا يمت بصلة للواقع.

لكن الحلف المعادي للشر والمتكون من تشيني ـ رامسفيلد ـ رايس يؤمن بشدة بالتوجه الأحادي لشن الحرب، وهذا ما يجعلهم مهيئين للانطلاق حتى بدون دعم المؤسسة العسكرية الأميركية لهم. فإذا كان البنتاغون عاجزا عن طرح الخطة المناسبة للحرب، فإنهم قادرون على إنزال وولفويتز بـ«الباراشوت» فوق بغداد حيث سيكون مزودا بإجازة للقتل.

يبدو واضحا الآن أن تشيني وشركاءه يسعون إلى استثمار الموجة الوطنية التي ستطفح إلى السطح عند حلول الذكرى الأولى لهجمات 11 سبتمبر، بحيث يكون بإمكانهم تحقيق زخم قوي نحو القيام بعمل عسكري في الشرق الأوسط تحت مبرر قطع الطريق على الإرهاب ليلحق الأذى مرة أخرى بالأميركيين.

لكنهم لم يكونوا كتومين عن مشاريعهم تجاه العراق، بل هم ظلوا ميالين إلى أسلوب التواطؤ مما جعلهم أشبه بطائفة منشقة محصنة، لكنها لا تكف عن اعتبار أي متشكك في نواياها شخصا مسترضيا لصدام حسين، وأي سؤال يُطرح عليها قصورا في الوطنية. فهم يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وأن كل العالم ضدهم.

فهم نسوا أن التخطيط للحرب لا يعني تبرير الحرب. وإذا كان الحفاظ على سرية الخطط الحربية أمرا ضروريا فان تبرير الحرب يجب أن يكون علنيا.

وإذا كان الصقور يكتفون بتقديم مزيج غير متجانس من الأسباب تبريرا للحرب، فانهم في الوقت نفسه لا يمتلكون الوقت أو الصبر الكافيين لإقناع الجمهور الأميركي بضرورة خوض الحرب.

وإذا كان الخطر العراقي كبيرا وواضحا إلى هذه الدرجة مثلما يقولون فإن شروحاتهم يجب أن تكون واسعة وواضحة أيضا.

لكن مشكلة الإدارة الأميركية تكمن في أن وعاظها المتنمرين هم متنمرون بدون أن يكونوا وعاظا.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»