أحداث سبتمبر: سلعة تجارية

TT

الاميركيون يقولون ان العالم تغير منذ احداث سبتمبر التي صادف ذكراها السنوية الأولى امس. نعم تغير، في رأيهم في كل شيء، أخلاقيا وسياسيا، وحتى طبيعة وبيئة.

واميركا التي عادت ونقضت معاهدة كيوتو، ولم تهتم كثيرا بمؤتمر جوهانسبرغ الأخير، والتي تساهم لوحدها بـ40 في المئة من الغازات المضرة التي تُضخ الى اعالي الجو، وما يتبعها من فيضانات وتصحر وتفكك في جليد القطبين، تشير الى هذه التغيرات كما لو انها تحصيل حاصل لما حدث في أعقاب سبتمبر في العام الماضي. فما ان يُسأل مسؤول اميركي عن اسباب رفض واشنطن التجاوب مع دعاة البيئة حتى يجيبك ان العالم بأسره تغير، وليس البيئة فقط.

هكذا بكل بساطة، كما لو ان احداث سبتمبر لها علاقة مباشرة بالبيئة والمناخ، او كأن واشنطن تريد ان تشعر العالم بأسره ان اي شيء يمسها سيمس ايضا هذا العالم.

في اي حال كانت الذكرى الأولى للاحداث المؤسفة مناسبة لاستغلال الاميركيين ذلك تجاريا واقتصاديا، تماما مثلما حصل قبل اسبوعين في الذكرى الـ25 لوفاة ملك الـ«روك أند رول» الفيس بريسلي. فقد تحولت المناسبة الى سوق تجاري لبيع اسطواناته وتسجيلاته الغنائية القديمة وتذكاراته وصوره في السراويل الضيقة البراقة، وهو يتمايل مهتزا على المسرح، مما جعل شركات الموسيقى والغناء تجني الملايين من الدولارات خلال فترة قصيرة جدا. والاميركيون كما هو معلوم يعشقون الاحداث والاشخاص والاحتفال بذكرهم بين الحين والآخر. واحداث سبتمبر ليست مستثناة من هذا كله. إذ استغلت الى أقصى حدود الاستغلال في سبيل الربح السريع.

الاعلام الاميركي كان اول المستغلين. فعن طريق تحويل مبلغ 70 دولارا مثلا، يضاف اليها 5 دولارات اجرة التوضيب والبريد يمكن الحصول على كتاب بتجليد فخم من الجلد بعنوان «امة واحدة، اميركا تتذكر 11 سبتمبر 2001».

لقد حررت الكتاب مجموعة من الكتاب والصحفيين والمصورين التابعين لمجلة «لايف» بلغة شاعرية عاطفية تثير النفوس والشجون، كما زين برسومات جميلة وبحلة اخراجية معبرة عن الكارثة بالكلمات والصور المنتقاة بعناية. لقد بيع من الكتاب حتى الآن مئات الآلاف من النسخ والبقية على الطريق.

وكأن هذا لا يكفي، فقد خرجت من المطبعة نسخ اخرى منقوشة بالذهب عيار 22 مشغولة بحرفية يدوية عالية كي تبقى، كما ذكرت مجلة «لايف» في حملتها الترويجية للكتاب، ذكرى وعبرة للأجيال المقبلة.

في احدى صور هذا الكتاب رجل اطفاء يقاوم دموعه وهو يحيي رفاقه الذين سقطوا لدى انهيار برجي مركز التجارة العالمي، وذلك خلال احد الاحتفالات التكريمية العديدة التي اقيمت لهم.

وفي ملصق اخر بيع منه الملايين، صورة فوتوغرافية للرحلة الجوية «اميركان فلايت 11» وهي تقترب من البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي قبل لحظات من الاصطدام به. وفي صورة ثالثة البرجان في بداية انهيارهما، ورابعة لطفل دامع العينين يلوح بالعلم الأميركي. ويقول الاعلان الترويجي لهذه الصور: «هل ترغب في ان تشارك هذه اللحظات مع اولادك واحفادك؟»، ثم هنالك الأعلام وعلاقات المفاتيح والدبابيس على اشكالها التي تعلق على السترات، والتي تحيي كلها المناسبة، وكان عائدها ارباحا طائلة مقابل استثمار زهيد.

مما لا شك فيه ان احداث سبتمبر عمل مؤسف يحمل في طياته كل معاني الارهاب وقسوة الانسان على أخيه الانسان. لكن ان تُستغل المآسي بهذا الشكل بغرض الربح والجشع، فهذا أمر لا يليق بمجتمع كبير ولا بانسانية الانسان.