تحرير الولايات المتحدة من إسرائيل

TT

ربما لم تكن هجمات 11سبتمبر (ايلول) لتقع لو ان الولايات المتحدة الاميركية رفضت مساعدة اسرائيل في اذلال وتدمير المجتمع الفلسطيني. قلة فقط تعبر، على نحو صريح وعلني، عن هذه النتيجة، بيد ان الكثيرين يعتقدون انها الحقيقة.

اعتقد ان هذه الكارثة ربما لم تكن لتحدث اصلا، لو تحلى أي رئيس اميركي بالشجاعة والحكمة على مدى الـ35 عاما السابقة، واتخذ قرارا بتعليق كل المساعدات الاميركية لاسرائيل الى حين انسحابها من الاراضي التي استولت عليها في حرب يونيو (حزيران) 1967.

لا شك في ان اللوبي الموالي لاسرائيل يتمتع بالقوة والنفوذ، ولكن أي رئيس يعقد العزم على اتخاذ موقف محدد في هذا الشأن، بما في ذلك الرئيس الحالي، جورج بوش، نفسه، يمكن ان ينتصر ويكسب تأييد الرأي العام الاميركي بتعليق مساعدات الولايات المتحدة لاسرائيل اذا كشف الحقائق التالية امام الشعب الاميركي:

ـ الحكومة الاسرائيلية الحالية مصممة، كسابقاتها على الاستيلاء على الضفة الغربية بهدف قيام اسرائيل الكبرى. فاليهود المتشددون يلعبون دورا مهما في السياسة الاسرائيلية، ويعتقدون ان المنقذ لن يأتي الا عندما تصبح اسرائيل الكبرى واقعا. ورغم ان هؤلاء يشكلون اقلية فقط، الا انهم يتصفون بالتمسك القوي بهذه المعتقدات الدينية والتشدد، فضلا عن نفوذهم في السياسة. وبسبب ايمانهم العميق بهذه المعتقدات الدينية، فإنهم مصممون على منع الفلسطينيين من تكوين دولة خاصة بهم في أي جزء من الضفة الغربية.

ـ تستخدم اسرائيل في اعتداءاتها على الفلسطينيين ذريعة القضاء على الارهاب، بيد ان قواتها تعمل على تنفيذ السياسة التوسعية في الاراضي الفلسطينية. وبذريعة القضاء على الارهاب تعامل القوات الاسرائيلية الفلسطينيين بصورة لا انسانية. وبسبب غياب قواعد الاجراءات القانونية يخضع المئات من الفلسطينيين للاعتقال لفترات طويلة، ويخضع معظمهم للتعذيب، ويتعرض بعضهم للاغتيال، فيما تتعرض المنازل والمزارع واماكن العمل للتدمير. تخضع كذلك مدن بكاملها لحظر التجول، ويستمر حصار بعضها لاسابيع. الجرحى والمرضي الفلسطينيون الذين يحتاجون الى علاج عاجل يوقفون عادة عند نقاط التفتيش لفترة ساعة او اكثر، كما ان الكثير من الاطفال يعاني من سوء التغذية. اصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة اشبه بمعسكرات اعتقال ضخمة. ربما ما كان ذلك ليحدث مطلقا لولا الدعم الاميركي لاسرائيل. ومن المحتمل ايضا ان يكون لدى المسؤولين الاسرائيليين اعتقاد بأن الحياة في هذه المناطق سوف تصبح جحيما لا يطاق يضطر معه الفلسطينيون لمغادرة ديارهم.

وجدت الحكومة الاميركية نفسها موضع انتقادات حادة في غالبية الدول، لأنها تقدم دعما غير محدود لانتهاكات اسرائيل لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي وتعاليم الاديان الرئيسية.

والسؤال الذي يطرح الآن هو: كيف دخل الاميركيون هذا المأزق؟

يعود تشكل العناصر الرئيسية لما حدث في 11 سبتمبر الى 35 عاما مضت، عندما بدأ اللوبي الاميركي المؤيد لاسرائيل، يحقق نجاحا متواصلا في قمع الجدل حول دور مناسب للولايات المتحدة في النزاع العربي ـ الاسرائيلي، وإخفاء حقيقة ان الولايات المتحدة تقدم دعما لامحدودا لاسرائيل.

وبسبب نفوذ اللوبي الاميركي المؤيد لاسرائيل، غاب اي نقاش مفتوح حول النزاع العربي ـ الاسرائيلي، داخل الحكومة الاميركية على امتداد تلك السنوات. وبحكم عملي في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب، تكونت لدي معرفة مباشرة بهذه القضية. ففي عام 1967 عندما استولت القوات الاسرائيلية على هضبة الجولان، وهي جزء من سورية، والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، في يونيو (حزيران)، كنت عضوا، وتابعت على مدى 16 عاما مراقبة ما يدور في الكونغرس عن كثب.

فعلى امتداد 35 عاما لم يعبر احد بكلمة في هذه اللجنة، او في مجلس النواب، او الشيوخ، رغم ضرورة طرح النقاش حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. كما لم يحدث ان تم طرح اي تعديل، او قيود على المساعدات الاميركية لإسرائيلي، فضلا عن ان المقترحات التي طرحت خلال السنوات الاخيرة، لم تنل إلا اصواتا معدودة. اما كابيتول هيل، فإن أي انتقادات لاسرائيل، حتى ولو جاءت في محادثات خاصة، يعد امرا محرما، بل ربما يوصف بأنه سلوك غير وطني، اذا لم يوصف بمعاداة السامية. وقد تأكد الغياب المستمر لحرية التعبير تماما، عندما هزم الذين يعبرون عن آرائهم بصراحة وبصورة علنية ـ عضوا مجلس الشيوخ آدلاي سيتفنسون وتشارلس بيرسي، واعضاء مجلس النواب بول ماكلويسكي، وسينثيا مكيني، وايرل هيليارد، وشخصي ـ بواسطة مرشحين حظوا بتمويل قوي من القوى المؤيدة لاسرائيل.

نتيجة لذلك، كان التشريع الخاص بالشرق الاوسط منحازا بقوة لمصلحة اسرائيل وضد الفلسطينيين والعرب الآخرين. الناخبون الاميركيون، الذين يعانون من تضليل التغطية الاخبارية المنحازة لاسرائيل، لا يعرفون ان الكونغرس يتصرف وكأنه لجنة فرعية تابعة للبرلمان الاسرائيلي.

هذا الانحياز ملاحظ حتى خارج حدود الولايات المتحدة، حيث وسائل الإعلام تقوم بتغطية الممارسات الاسرائيلية، وتشجب بعنف رضا وتواطؤ الولايات المتحدة. وعندما رحب الرئيس بوش برئيس الوزراء الاسرائيلي، آرييل شارون، الذي يطلق عليه احيانا جزار بيروت، كـ«صديق عزيز» و«رجل سلام»، بعد استخدام اسرائيل الاسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة لتدمير الضفة الغربية، بلغ الغضب العالمي ضد الولايات المتحدة نقطة غليانه.

هذا الغضب لا يعد مفاجأة لأي شخص يقرأ الصحف الاجنبية، او يستمع الى هيئة الاذاعة البريطانية. قبل 11سبتمبر اعربت شخصيات عالمية بارزة عن معارضة صريحة لسياسة الولايات المتحدة على نحو متكرر وبحدة، خصوصا منذ اعلان بوش عزمه على شن حرب ضد العراق.

ظل استفزاز اللوبي المؤيد لاسرائيل مستمرا، وتسلل، فيما يبدو، الى كل مركز حكومي وحتى الى دور العبادة ومؤسسات التعليم العالي، وكان مؤثرا بدرجة كبيرة على الكثير من اليهود الاميركيين المعارضين لتكتيكات هذا اللوبي ووحشية اسرائيل.

لا شيء يمكن ان يبرر هجمات 11 سبتمبر. فالمتورطون يستحقون اقصى عقاب، ولكن على الولايات المتحدة فحص الدوافع بدقة وعناية. الارهاب ينبع دائما من الاحساس العميق بالمظالم، فإذا بات من الممكن إزالة هذه المظالم او تخفيفها، سيصبح من الممكن اخضاع الارهابيين.

بعد مرور عام على احداث 11 سبتمبر، لم يحاول الرئيس بوش علاج هذه المظالم، او حتى تحديدها، بل انه زاد الاوضاع سوءا بتأييده لحرب اسرائيل الدينية ضد الفلسطينيين، وهو تحالف زاد من حدة الغضب ضد الولايات المتحدة. كما انه يبدو متجاهلا لحقيقة ان حوالي بليوني شخص في العالم يعتبرون محنة الفلسطينيين اهم تحد يواجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة حاليا.

لا احد في موقع سلطة يمكن ان يقر الواقع المفجع الذي حجب بمهارة عن انظار الشعب الاميركي، وتدركه بوضوح غالبية دول العالم. لا شك ان الولايات المتحدة عانت من احداث 11سبتمبر وما بعدها، وربما تدخل في حرب ضد العراق، لأن السياسة الاميركية تصنع في اسرائيل وليس في واشنطن.

اسرائيل دولة تنتهك القانون ويجب ان تعامل على هذا الاساس. فبدلا من مساعدة شارون على زيادة بؤس الفلسطينيين، يتوجب على الرئيس الاميركي تعليق كل المساعدات الاميركية لاسرائيل حتى تنهي احتلالها للاراضي العربية التي احتلتها عام 1967، اذ ان ذلك سيجبر شارون على الإذعان، او ترك الحكومة، لأن الناخبين الاسرائيليين لن يتحملوا رئيس حكومة على خلاف مع البيت الابيض.

اذا اراد بوش سببا اضافيا للقيام بما هو صحيح، فباستطاعته تبرير تعليق المساعدات لاسرائيل بضرورات عسكرية، وكخطوة اساسية في كسب التأييد الدولي لحربه ضد الارهاب. ويمكن في هذا السياق الاشارة الى سابقة تستحق الاهتمام، فعندما اصدر الرئيس الراحل، ابراهام لينكولن إعلان تحرير الرقيق في الولايات، التي كانت تشهد تمردا، كان تحديده بسبب «ضرورة عسكرية».

اذا علق بوش المساعدات الاميركية لإسرائيل، فإنه سيحرر كل الاميركيين من سنوات طويلة من العبودية لآثام اسرائيل.

* عضو سابق بمجلس النواب الاميركي.