وصلوا إلى بغداد

TT

كم من الأميال تبعد بلاد بابل؟

انها تبعد ثلاث مسافات زائد عشر

هل استطيع الوصول الى هناك عند العشية

أجل والعودة ايضا

هذه الاغنية من رواية اجاثا كريستي «وصلوا الى بغداد» وقبل ان يصلوا الى بغداد فعلا ألقيت نظرة على هذه الرواية، وافترضت ان بوش ريما يكون قد قرأها في مزرعته، فقد أعدوا له قبل عطلة الصيف عدة كتب عن العراق تناسب مستواه الثقافي الرفيع.

وهذه الرواية بالذات لا بد ان تكون من بين المختارات وان لم يصرحوا بذلك خجلا، فحبكتها البوليسية تناسب الطريقة التي يفكر بها الرئيس والمشكلة التي تشغله لا تختلف كثيرا عن موضوع هذه الرواية، فأبطالها من رجال المخابرات الذين يلاحقون تنظيما سريا خطيرا يمتد من آسيا الوسطى الى كندا، وله في أميركا نفسها عدة مراكز لا تعرف السلطات مكانها.

وخطورة ذلك التنظيم تنبع من انه يطور سلاحا رهيبا يستخدم فيه كميات كبيرة من اليورانيوم الذي استولى عليه من احدى الجمهوريات السوفياتية وكل هذه التفاصيل من مخيلة الست اجاثا وروايتها وليس من الأخبار اليومية، والله على ما أقول شهيد.

وقبل ان تقولوا ان الروائية الانجليزية لم تكن تقصد تنظيم «القاعدة» ولا شبكته الدولية المعقدة بأهدافها الـ«فوق وطنية» وفوق قومية، اليكم هذا النص الذي يصف فيه رجل المخابرات السيد داكين المتمترس في بغداد رجال ذلك التنظيم واهدافهم حيث يقول لفيكتوريا التي تورطت بمتابعتهم:

«نعتقد انهم ليسوا من جنسية معينة، واخشى ان يكون ما يسعون اليه هو تحسين العالم فهم يتوهمون انه يمكن بالقوة فرض العدالة المطلقة على البشر، وهذا اخطر الاوهام».

وهذا النص المفحم له بقية لا بأس من ايرادها لأنها تدل على عبقرية اجاثا كريستي، والعباقرة لا يكتبون الروايات البوليسية عادة لكن هذه السيدة كتبتها لقناعتها ـ ربما ـ بأن محدودي الادراك سيقلعون حتما عن القراءة ان لم يجدوا كتبا من هذا النوع السهل الذي لا يتعب الرأس ولا يجعل القارئ مسؤولا عن المصير البشري قاطبة ككافكا وجيمس جويس والأستاذ دستويفسكي.

ولأن كل انسان يستوعب على حجم عقله تبث اجاثا كريستي افكارها بالقطارة في التماعات ذكية تضيع بين أحداث متلاحقة مشدودة كوتر القانون في عالم بلا قانون ولا عدالة، ومنها بقية النص السالف حيث يتابع رجل المخابرات المسؤول عن انقاذ العالم من شر الاسلحة السرية الخطيرة وصفه للتنظيم الرهيب ورجاله متفلسفا بطريقة لن يفهمها الرئيس الأميركي قطعا دون الاستعانة بسكرتيرته لشؤون الفلسفة البوليسية.

يقول المخبر ـ الفيلسوف: «ان الذين لا يبتغون سوى المال لا يسببون عادة ضررا كبيرا اذ ان الجشع يهزم نفسه في النهاية لكن الايمان بوجود طبقة متفوقة من البشر وبوجود رجال خارقين يحكمون بقية العالم المنحط.... هذا يا فيكتوريا أسوأ المعتقدات، اذ عندما يقول المرء انه ليس كباق الناس يكون قد فقد اثنتين من أنبل الميزات التي نحاول التمتع بها وهما: التواضع والاخوة».

ولغز هذه الرواية مكتوب على ظهر جمل أبيض محمل بالشعير انتقل من قارة الى اخرى ثم استقر في كربلاء التي تصلها البطلة بعد اقامة مطولة ومغامرات في بغداد والبصرة ثم لا يسلم الشيخ حسين الزيارة وهو الرجل الذي يحفظ اللغز والوثائق التي تدين التنظيم الخطير الا بعد ان يتلو عليه صديق الجاسوس القتيل «كارمايكل» عجز احد أبيات المتنبي:

زد هشَّ هبِ اغفر ادنِ سُرَّ صل

وشطره الأول لمن يريد ان يتذكر:

أقل انِل اقطع احمِل عل سل اعِد

وليس المهم وثائق شيخ كربلاء فالأهم كيف وصلت اجاثا كريستي الى هذا البيت بالذات من شعر المتنبي لتجعله عقدة روايتها، وهو بالفعل من اعقد ما ابتكرته المخيلة الشعرية العربية.

ولا تسل كيف ستكون ردة فعل بوش بعد قراءة هذه الرواية فغدا ـ وبالإذن من طرفة ـ :

تبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

وتأتيك الـ CNN بالأخبار قبل أن يصلوا